responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 139
وَقَوْلُهُ: وَراءَ ظُهُورِهِمْ أَيْ: خَلْفَ ظُهُورِهِمْ، وَهُوَ مَثَلٌ يُضْرَبُ لِمَنْ يَسْتَخِفُّ بِالشَّيْءِ فَلَا يَعْمَلُ بِهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: اجْعَلْ هَذَا خَلْفَ ظَهْرِكَ، وَدُبُرَ أُذُنِكَ، وَتَحْتَ قَدَمِكَ أَيِ: اتْرُكْهُ وَأَعْرِضْ عَنْهُ، وَمِنْهُ مَا أَنْشَدَهُ الْفَرَّاءُ:
تَمِيمُ بْنُ زَيْدٍ لَا تَكُونَنَّ حَاجَتِي ... بِظَهْرٍ فَلَا يَعْيَا عَلِيَّ جَوَابُهَا
وَقَوْلُهُ: كِتابَ اللَّهِ أَيِ: التَّوْرَاةَ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَفَرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ الْإِيمَانَ بِهِ، وَتَصْدِيقَهُ، وَاتِّبَاعَهُ، وَبَيَّنَ لَهُمْ صِفَتَهُ، كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ نَبْذًا لِلتَّوْرَاةِ، وَنَقْضًا لَهَا، وَرَفْضًا لِمَا فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْكِتَابِ هُنَا الْقُرْآنُ، أَيْ: لما جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ مِنَ التَّوْرَاةِ نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ هَذَا الرَّسُولُ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ تَشْبِيهٌ لَهُمْ بِمَنْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا، مَعَ كَوْنِهِمْ يَعْلَمُونَ عِلْمًا يَقِينًا مِنَ التَّوْرَاةِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِهَذَا النَّبِيِّ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَعْمَلُوا بِالْعِلْمِ، بَلْ عَمِلُوا عَمَلَ مَنْ لَا يَعْلَمُ مِنْ نَبْذِ كِتَابِ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ. قَوْلُهُ: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ مَعْطُوفٌ عَلَى. قَوْلِهِ: نَبَذَ أَيْ: نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ مِنَ السِّحْرِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: اتَّبَعُوا بِمَعْنَى: فَعَلُوا. ومعنى تَتْلُوا: تتقوّله وتقرؤه وعَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ على عهد ملك سليمان، قال الزَّجَّاجُ وَقِيلَ الْمَعْنَى فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ:
يَعْنِي فِي قَصَصِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَخْبَارِهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: تَصْلُحُ «على وفي» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا هُوَ عِلْمُ سُلَيْمَانَ، وَأَنَّهُ يَسْتَجِيزُهُ وَيَقُولُ بِهِ، فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَنَّ أَحَدًا نَسَبَ سُلَيْمَانَ إِلَى الْكُفْرِ، وَلَكِنْ لَمَّا نَسَبَتْهُ الْيَهُودُ إِلَى السِّحْرِ صَارُوا بِمَنْزِلَةِ مِنْ نَسَبَهُ إِلَى الْكُفْرِ، لِأَنَّ السِّحْرَ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَثْبَتَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كُفْرَ الشَّيَاطِينِ فَقَالَ:
وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا أَيْ: بِتَعْلِيمِهِمْ. وَقَوْلُهُ: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي محل رفع أَنَّهُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكُوفِيُّونَ سِوَى عَاصِمٍ: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ بِتَخْفِيفِ لَكِنْ وَرَفْعِ الشَّيَاطِينِ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ وَالنَّصْبِ. وَالسِّحْرُ: هُوَ مَا يَفْعَلُهُ السَّاحِرُ مِنِ الْحِيَلِ وَالتَّخْيِيلَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ بِسَبَبِهَا لِلْمَسْحُورِ مَا يَحْصُلُ مِنَ الْخَوَاطِرِ الْفَاسِدَةِ الشَّبِيهَةِ بِمَا يَقَعُ لِمَنْ يَرَى السَّرَابَ فَيَظُنُّهُ مَاءً، وَمَا يَظُنُّهُ رَاكِبُ السَّفِينَةِ أَوِ الدَّابَّةِ مِنْ أَنَّ الْجِبَالَ تَسِيرُ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ سَحَرْتُ الصَّبِيَّ إِذَا خَدَعْتَهُ وَقِيلَ: أَصْلُهُ الْخَفَاءُ، فَإِنَّ السَّاحِرَ يَفْعَلُهُ خُفْيَةً وَقِيلَ أَصْلُهُ الصَّرْفُ، لِأَنَّ السِّحْرَ مَصْرُوفٌ عَنْ جِهَتِهِ وَقِيلَ:
أَصْلُهُ الِاسْتِمَالَةُ، لِأَنَّ مَنْ سَحَرَكَ فَقَدِ اسْتَمَالَكَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السِّحْرُ: الْأَخْذَةُ، وَكُلُّ مَا لَطُفَ مأخذه وَدَقَّ فَهُوَ سِحْرٌ. وَقَدْ سَحَرَهُ يَسْحَرُهُ سِحْرًا، وَالسَّاحِرُ: الْعَالِمُ، وَسَحَرَهُ أَيْضًا بِمَعْنَى: خَدَعَهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَتِ المعتزلة وأبو حنيفة إلى أنه خدع، لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا حَقِيقَةَ. وَذَهَبَ مَنْ عَدَاهُمْ إِلَى أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً مُؤَثِّرَةً. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ، سَحَرَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي الشَّيْءَ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أَتَاهُ، ثُمَّ شَفَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ يَطُولُ. وَقَوْلُهُ: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ أَيْ: وَيُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى السِّحْرِ وَقِيلَ: هو معطوف

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست