responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 260
لَفْظُ الْحَرْثِ يُفِيدُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ لَمْ تَقَعْ إِلَّا فِي الْفَرْجِ الَّذِي هُوَ الْقُبُلُ خَاصَّةً، إِذْ هُوَ مُزْدَرَعُ الذُّرِّيَّةِ، كَمَا أَنَّ الْحَرْثَ مُزْدَرَعُ النَّبَاتِ. فَقَدْ شَبَّهَ مَا يُلْقَى فِي أَرْحَامِهِنَّ مِنَ النُّطَفِ الَّتِي مِنْهَا النَّسْلُ بِمَا يُلْقَى فِي الْأَرْضِ مِنَ الْبُذُورِ الَّتِي مِنْهَا النَّبَاتُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَادَّةٌ لِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى، أَعْنِي:
قَوْلَهُ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: أَنَّى شِئْتُمْ أَيْ: مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شِئْتُمْ: مِنْ خَلْفٍ، وَقُدَّامٍ، وَبَارِكَةً، وَمُسْتَلْقِيَةً ومضطجعة، إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْحَرْثِ، وَأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
إنّما الأرحام أرضو ... ن لَنَا مُحْتَرَثَاتٌ
فَعَلَيْنَا الزَّرْعُ فِيهَا ... وَعَلَى اللَّهِ النَّبَاتُ
وَإِنَّمَا عَبَّرَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: أَنَّى لِكَوْنِهَا أَعَمَّ فِي اللُّغَةِ مِنْ كَيْفَ، وَأَيْنَ، وَمَتَى. وَأَمَّا سِيبَوَيْهِ فَفَسَّرَهَا هُنَا بِكَيْفَ. وَقَدْ ذَهَبَ السَّلَفُ، وَالْخَلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَالْأَئِمَّةِ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَأَنَّ إِتْيَانَ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا حَرَامٌ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بن المسيب ونافع وابن عمرو وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، حَكَاهُ عَنْهُمُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابٍ لَهُ يُسَمَّى «كِتَابَ السِّرِّ» وَحُذَّاقُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَمَشَايِخُهُمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ الْكِتَابَ، وَمَالِكٌ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ كِتَابُ سِرٍّ، وَوَقَعَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ أَسْنَدَ جَوَازَ ذَلِكَ إِلَى زُمْرَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِلَى مَالِكٍ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ: «جِمَاعِ النِّسْوَانِ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: رَوَى أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ فِي دِينِي شَكَّ فِي أَنَّهُ حَلَالٌ، يَعْنِي: وَطْءَ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا، ثُمَّ قَرَأَ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا. وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ مَالِكٍ مِنْ طُرُقٍ: مَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ ذَلِكَ. وَفِي أَسَانِيدِهَا ضَعْفٌ. وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:
مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْلِيلِهِ وَلَا تَحْرِيمِهِ شَيْءٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ. وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ.
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: كَانَ الرَّبِيعُ يَحْلِفُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ كَذَبَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ مِنْ كُتُبِهِ. قَوْلُهُ: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَيْ: خَيْرًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ [1] وَقِيلَ: ابْتِغَاءَ الْوَلَدِ وَقِيلَ: التَّزْوِيجَ بِالْعَفَائِفِ، وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ فِيهِ تَحْذِيرٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ. وَفِي قَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ مُبَالَغَةٌ فِي التَّحْذِيرِ. وَفِي قَوْلِهِ: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ تَأْنِيسٌ لِمَنْ يَفْعَلُ الْخَيْرَ وَيَجْتَنِبُ الشَّرَّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلك، فأنزل الله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَالْبَزَّارُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ في دبرها كان ولده

[1] البقرة: 110.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 260
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست