responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 323
عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِعْطَافِ الْمُوجِبِ لِقَبُولِ مَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنَ الدُّعَاءِ. وَقَوْلُهُ: أَرِنِي قَالَ الْأَخْفَشُ:
لَمْ يُرِدْ رُؤْيَةَ الْقَلْبِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ رُؤْيَةَ الْعَيْنِ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ الرُّؤْيَةُ الْقَلْبِيَّةُ هُنَا، لِأَنَّ مَقْصُودَ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ يُشَاهِدَ الْإِحْيَاءَ، لِتَحْصُلَ لَهُ الطُّمَأْنِينَةُ، وَالْهَمْزَةُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْفِعْلِ لِقَصْدِ تَعْدِيَتِهِ إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَهُوَ الْجُمْلَةُ، أَعْنِي قَوْلَهُ: كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى وَكَيْفَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالظَّرْفِ، أَوْ بِالْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا الْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَهَا. وَقَوْلُهُ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ عُطِفَ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمْ، وَلَمْ تُؤْمِنْ بِأَنِّي قَادِرٌ عَلَى الْإِحْيَاءِ حَتَّى تَسْأَلَنِي إِرَاءَتَهُ قالَ: بَلى عَلِمْتُ وَآمَنْتُ بِأَنَّكَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ سَأَلْتُ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي بِاجْتِمَاعِ دَلِيلِ الْعِيَانِ إِلَى دَلَائِلِ الْإِيمَانِ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى قَطُّ، وَإِنَّمَا طَلَبَ الْمُعَايَنَةَ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ مِنْ رُؤْيَةِ مَا أُخْبِرَتْ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ» . وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ.
وَاسْتَدَلُّوا بما صح عنه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا فِي الْقُرْآنِ عِنْدِي آيَةٌ أَرْجَى مِنْهَا» . وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَرَجَّحَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ بَعْدَ حِكَايَتِهِ لَهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ عِنْدِي مَرْدُودٌ، يَعْنِي: قَوْلَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَاكًّا لَكُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهِ، وَنَحْنُ لَا نَشُكُّ، فَإِبْرَاهِيمُ أَحْرَى أَنْ لَا يَشُكَّ. فَالْحَدِيثُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَفْيِ الشَّكِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ أَرْجَى آيَةٍ، فَمِنْ حَيْثُ إِنَّ فِيهَا الْإِدْلَالَ عَلَى اللَّهِ وَسُؤَالَ الْإِحْيَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَتْ مَظِنَّةَ ذَلِكَ. وَيَجُوزُ أَنْ نَقُولَ: هِيَ أَرْجَى آيَةٍ لِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ أَيْ:
أَنَّ الْإِيمَانَ كَافٍ لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى تَنْقِيرٍ وَبَحْثٍ، قَالَ: فَالشَّكُّ يَبْعُدُ عَلَى مَنْ ثَبَتَ قَدَمُهُ فِي الْإِيمَانِ فَقَطْ، فَكَيْفَ بِمَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ وَالْخُلَّةِ؟ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمِنَ الصَّغَائِرِ الَّتِي فِيهَا رَذِيلَةٌ إِجْمَاعًا، وَإِذَا تَأَمَّلْتَ سُؤَالَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَسَائِرَ الْأَلْفَاظِ لِلْآيَةِ لَمْ تُعْطِ شَكًّا، وذلك أن الاستفهام بكيف إِنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ عَنْ حَالَةِ شَيْءٍ مَوْجُودٍ متقرر الوجود عند السائل والمسؤول، نَحْوُ قَوْلِكَ: كَيْفَ عَلِمَ زَيْدٌ؟ وَكَيْفَ نَسَجَ الثَّوْبَ؟ وَنَحْوُ هَذَا، وَمَتَى قُلْتَ: كَيْفَ ثَوْبُكَ؟ وَكَيْفَ زَيْدٌ؟ فَإِنَّمَا السُّؤَالُ عَنْ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ. وَقَدْ تَكُونُ كَيْفَ خَبَرًا عَنْ شَيْءٍ شأنه أن يستفهم عنه بكيف نَحْوِ قَوْلِكَ: كَيْفَ شِئْتَ فَكُنْ، وَنَحْوِ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ؟ وَهِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْتِفْهَامٌ عَنْ هَيْئَةِ الْإِحْيَاءِ، وَالْإِحْيَاءُ مُتَقَرِّرٌ، وَلَكِنْ لَمَّا وَجَدْنَا بَعْضَ الْمُنْكِرِينَ لِوُجُودِ شَيْءٍ قَدْ يُعَبِّرُونَ عَنْ إِنْكَارِهِ بِالِاسْتِفْهَامِ عَنْ حَالَةٍ لِذَلِكَ الشَّيْءِ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ فِي نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ مُدَّعٍ: أَنَا أَرْفَعُ هَذَا الْجَبَلَ، فَيَقُولُ الْمُكَذِّبُ لَهُ: أَرِنِي كَيْفَ تَرْفَعُهُ. فَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَجَازٍ فِي الْعِبَارَةِ وَمَعْنَاهَا تَسْلِيمُ جَدَلٍ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: افْرِضْ أَنَّكَ تَرْفَعُهُ. فَلَمَّا كَانَ فِي عِبَارَةِ الْخَلِيلِ هَذَا الِاشْتِرَاكُ الْمَجَازِيُّ خَلَّصَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ وَحَمَلَهُ عَلَى أَنْ بَيَّنَ لَهُ الْحَقِيقَةَ فَقَالَ لَهُ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ: بَلى فَكَمَّلَ الْأَمْرَ وَتَخَلَّصَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ عَلَّلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُؤَالَهُ بِالطُّمَأْنِينَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَهُوَ بَالِغٌ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِثْلُ هَذَا الشَّكِّ فَإِنَّهُ كُفْرٌ، وَالْأَنْبِيَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْإِيمَانِ بالبعث.

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 323
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست