responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 426
زَالَ عَنْهُمْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ عَلَى الشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي، أَنْ يَكُونَ:
تَأْمُرُونَ وَمَا بَعْدَهُ، فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ حَالَ كَوْنِكُمْ آمِرِينَ، نَاهِينَ، مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ، وَبِمَا يَجِبُ عَلَيْكُمُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَمَا شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ. قَوْلُهُ: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ أَيِ: الْيَهُودُ، إِيمَانًا كَإِيمَانِ الْمُسْلِمِينَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، بَلْ قَالُوا: نُؤْمِنُ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ، ثُمَّ بَيَّنَ حَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِهِ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ أَيِ: الْخَارِجُونَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، الْمُتَمَرِّدُونَ فِي بَاطِلِهِمُ، المكذبون لرسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلِمَا جَاءَ بِهِ، فَيَكُونُ هَذَا التَّفْصِيلُ على هذا كلاما مستأنفا، جوابا عن سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: هَلْ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ فَاسْتَحَقَّ مَا وَعَدَهُ اللَّهُ؟ قَوْلُهُ: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً أَيْ:
لَنْ يَضُرُّوكُمْ بِنَوْعٍ من أنواع الضرر إلا بنوع الأذى، وهو الكذب، والتحريف، والبهت، لا يَقْدِرُونَ عَلَى الضَّرَرِ الَّذِي هُوَ الضَّرَرُ فِي الْحَقِيقَةِ بِالْحَرْبِ وَالنَّهْبِ وَنَحْوِهِمَا، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ، وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَغْلِبُونَهُمْ وَأَنَّهُمْ مَنْصُورُونَ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ. وَالْمَعْنَى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ أَلْبَتَّةَ، لَكِنْ يُؤْذُونَكُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَا نَفَاهُ مِنَ الضَّرَرِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ أَيْ:
يَنْهَزِمُونَ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُقَاوَمَتِكُمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَضُرُّوكُمْ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ عَطْفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، أَيْ: ثُمَّ لَا يُوجَدُ لَهُمْ نَصْرٌ وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ غَلَبٌ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، بَلْ شَأْنُهُمُ الْخِذْلَانُ مَا دَامُوا.
وَقَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا سُبْحَانَهُ حَقًّا، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَمْ تَخْفِقْ لَهُمْ رَايَةُ نَصْرٍ، وَلَا اجْتَمَعَ لَهُمْ جَيْشٌ غَلَبَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَهِيَ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ [1] . قَوْلُهُ: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ مَعْنَى هَذَا التَّرْكِيبِ.
وَالْمَعْنَى: صَارَتِ الذِّلَّةُ مُحِيطَةٌ بِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَيْنَما ثُقِفُوا فِي أَيِّ مَكَانٍ وُجِدُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ أَيْ: إِلَّا أَنْ يَعْتَصِمُوا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ: أَيْ: بِذِمَّةِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ أَيْ: بِذِمَّةٍ مِنَ النَّاسِ، وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّاسِ: النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم وَباؤُ أَيْ: رَجَعُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَقِيلَ: احْتَمَلُوا، وَأَصْلُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: اللُّزُومُ وَالِاسْتِحْقَاقُ، أَيْ: لَزِمَهُمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ هُمْ مُسْتَحِقُّونَ لَهُ. وَمَعْنَى ضَرْبِ الْمَسْكَنَةِ: إِحَاطَتُهَا بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، وَهَكَذَا حَالُ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ تَحْتَ الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ، وَالْمَسْكَنَةِ الشَّدِيدَةِ إِلَّا النَّادِرَ الشَّاذَّ مِنْهُمْ. وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ، إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَرْبِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْغَضَبِ، أَيْ: وَقَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ، إِلَى الْكُفْرِ وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ، بِسَبَبِ عِصْيَانِهِمْ لِلَّهِ وَاعْتِدَائِهِمْ لِحُدُودِهِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ ضَرَبَ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةَ وَالْمَسْكَنَةَ وَالْبَوَاءَ بِالْغَضَبِ مِنْهُ لِكَوْنِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِهِ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُ، بِسَبَبِ عِصْيَانِهِمْ وَاعْتِدَائِهِمْ.

[1] إن ما حصل من قيام دولة لليهود على أرض فلسطين العربية المسلمة هو بسبب ما آل إليه حال المسلمين من الفرقة والبعد عن دين الله وعدم تحقيق شروط الخيرية فيهم المشار إليها بقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ....
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 426
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست