responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 521
الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ
«1» ولم يذكر الله سبحانه في هذا الْآيَةِ الْعَبِيدَ، وَهُمْ لَاحِقُونَ بِالْإِمَاءِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وكما يكون على الإماء والعبيد الْحَدِّ فِي الزِّنَا، كَذَلِكَ يَكُونُ عَلَيْهِمْ نِصْفُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ وَالشُّرْبِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:
ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ إِلَى نِكَاحِ الْإِمَاءِ. وَالْعَنَتُ: الْوُقُوعُ فِي الْإِثْمِ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: انْكِسَارُ الْعَظْمِ بَعْدَ الْجَبْرِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِكُلِّ مَشَقَّةٍ وَأَنْ تَصْبِرُوا عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ نِكَاحِهِنَّ، أَيْ: صَبْرُكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ، لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ يُفْضِي إِلَى إِرْقَاقِ الْوَلَدِ وَالْغَضِّ مِنَ النَّفْسِ. قَوْلُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ اللَّامُ هُنَا هِيَ لَامُ كَيِ الَّتِي تُعَاقِبُ «أَنْ» . قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ لَامِ كَيْ وَأَنْ، فَتَأْتِي بِاللَّامِ الَّتِي عَلَى مَعْنَى كَيْ فِي مَوْضِعِ أَنْ فِي أَرَدْتُ وَأَمَرْتُ، فَيَقُولُونَ: أَرَدْتُ أَنْ تَفْعَلَ وَأَرَدْتُ لِتَفْعَلَ، وَمِنْهُ:
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ [2] وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [3] وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [4] وَمِنْهُ:
أُرِيدُ لِأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا ... تُمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ سَبِيلِ
وَحَكَى الزَّجَّاجُ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ: لَوْ كَانَتِ اللَّامُ بِمَعْنَى أَنْ لَدَخَلَتْ عَلَيْهَا لَامٌ أُخْرَى كَمَا تَقُولُ: جِئْتُ كَيْ تُكْرِمَنِي، ثُمَّ تَقُولُ: جِئْتُ لِكَيْ تُكْرِمَنِي، وَأَنْشَدَ:
أَرَدْتُ لِكَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا ... سَرَاوِيلُ قَيْسٍ وَالْوُفُودُ شُهُودُ
وَقِيلَ: اللَّامُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، أَوْ لِتَأْكِيدِ إِرَادَةِ التَّبْيِينِ، وَمَفْعُولُ يُبَيِّنَ: مَحْذُوفٌ، أَيْ:
لِيُبَيِّنَ لَكُمْ مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَقِيلَ: مَفْعُولُ يُرِيدُ: مَحْذُوفٌ، أَيْ: يُرِيدُ اللَّهُ هَذَا لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، وَبِهِ قَالَ الْبَصْرِيُّونَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ سِيبَوَيْهِ وَقِيلَ: اللَّامُ بِنَفْسِهَا نَاصِبَةٌ لِلْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ إِضْمَارِ أَنْ، وَهِيَ وَمَا بَعْدَهَا مَفْعُولٌ لِلْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْفَرَّاءِ السَّابِقِ، وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: إن قوله: يُرِيدُ مؤول بِالْمَصْدَرِ، مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، مِثْلَ: تَسْمَعُ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ مَصَالِحَ دِينِكُمْ، وَمَا يَحِلُّ لَكُمْ، وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَيْ: طُرُقَهُمْ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَأَتْبَاعُهُمْ، لِتَقْتَدُوا بِهِمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ أَيْ: وَيُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عليكم، فتوبوا إليه، وتلاقوا مَا فُرِّطَ مِنْكُمْ بِالتَّوْبَةِ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ هَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا قَدْ فُهِمْ مِنْ قَوْلِهِ: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ الْمُتَقَدِّمِ وَقِيلَ: الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الطَّاعَاتِ. وَالثَّانِي: فِعْلُ أَسْبَابِهَا وَقِيلَ: إِنَّ الثَّانِيَ لِبَيَانِ كَمَالِ مَنْفَعَةِ إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَكَمَالِ ضَرَرِ مَا يُرِيدُهُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ إِرَادَةِ التَّوْبَةِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيرِ لِلتَّأْكِيدِ. قِيلَ: هَذِهِ الْإِرَادَةُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَقِيلَ: فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ فَقَطْ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْمُتَّبِعِينَ لِلشَّهَوَاتِ، فَقِيلَ: هُمُ الزُّنَاةُ، وَقِيلَ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقِيلَ: الْيَهُودُ خَاصَّةً، وَقِيلَ: هُمُ الْمَجُوسُ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَتَّبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي نِكَاحِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
وَالْمَيْلُ: الْعُدُولُ عَنْ طَرِيقِ الِاسْتِوَاءِ. وَالْمُرَادُ بِالشَّهَوَاتِ هُنَا مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ دون ما أحله، ووصف الميل بالعظم

(1) . الأحزاب: 30.
[2] الصف: 8.
[3] الشورى: 15.
[4] الأنعام: 71.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 521
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست