responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 586
بِالسُّنَّةِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ ما تواتر عنه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْقَصْرِ مَعَ الْأَمْنِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِذْ ذَاكَ الْقَصْرُ لِلْخَوْفِ في الأسفار، ولهذا قال يعلى ابن أُمَيَّةَ لِعُمَرَ مَا قَالَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ يفتنكم الذين كفروا بِسُقُوطِ إِنْ خِفْتُمْ وَالْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: كَرَاهَةَ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ:
إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا هِيَ مُبِيحَةٌ لِلْقَصْرِ فِي السَّفَرِ لِلْخَائِفِ مِنَ الْعَدُوِّ، فَمَنْ كَانَ آمِنًا فَلَا قَصْرَ لَهُ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: إِنْ خِفْتُمْ لَيْسَ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهُ وَأَنَّ الْكَلَامَ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: مِنَ الصَّلاةِ ثُمَّ افْتَتَحَ فَقَالَ:
إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَأَقِمْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ صَلَاةَ الْخَوْفِ. وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً مُعْتَرِضٌ، ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْجُرْجَانِيُّ، وَالْمَهْدَوِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وَرَدَّهُ الْقُشَيْرِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ. وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَمَنْ مَعَهُ، وَمِمَّا يَرُدُّ هَذَا وَيَدْفَعُهُ:
الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فَقَالَ: إِنَّ الْوَاوَ زَائِدَةٌ، وَإِنَّ الْجَوَابَ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: إِنْ خِفْتُمْ هُوَ قَوْلُهُ: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ ذِكْرَ الْخَوْفِ مَنْسُوخٌ بِالسُّنَّةِ، وَهِيَ: حَدِيثُ عُمَرَ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا قَالَ الْفَرَّاءُ: أَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ: فَتَنْتُ الرَّجُلَ، وَرَبِيعَةُ وَقَيْسٌ وَأَسَدٌ وَجَمِيعُ أَهْلِ نَجْدٍ يَقُولُونَ: أَفْتَنْتُ الرَّجُلَ، وَفَرَّقَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ بَيْنَهُمَا فَقَالَا: فَتَنْتُهُ: جَعَلْتُ فِيهِ فِتْنَةً مِثْلَ كَحَلْتُهُ، وَأَفْتَنْتُهُ: جَعَلْتُهُ مُفَتَّنًا، وَزَعَمَ الْأَصْمَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَفْتَنْتَهُ. وَالْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ: الْقِتَالُ وَالتَّعَرُّضُ بِمَا يَكْرَهُ. قَوْلُهُ: عَدُوًّا أَيْ أَعْدَاءً. قَوْلُهُ: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ هَذَا خِطَابٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَمْرِ، حُكْمُهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [1] وَنَحْوُهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَشَذَّ أَبُو يُوسُفَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ فَقَالَا: لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، لِأَنَّ هَذَا الْخِطَابَ خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، قَالَا: وَلَا يَلْحَقُ غَيْرُهُ بِهِ لِمَا له صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْمَزِيَّةِ الْعُظْمَى، وَهَذَا مَدْفُوعٌ، فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ وَالتَّأَسِّي بِهِ، وَقَدْ قال صلّى الله عليه وَسَلَّمَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَعْرَفُ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ صَلَّوْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فِي غَيْرِ مَرَّةٍ كَمَا ذَلِكَ مَعْرُوفٌ. وَمَعْنَى: فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ أَرَدْتَ الْإِقَامَةَ، كَقَوْلِهِ:
إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [2] ، وقوله: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [3] قَوْلُهُ:
فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ يَعْنِي: بَعْدَ أَنْ تَجْعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ طَائِفَةٌ تَقِفُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَطَائِفَةٌ تَقُومُ مِنْهُمْ مَعَكَ فِي الصَّلَاةِ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ أَيْ: الطَّائِفَةُ الَّتِي تُصَلِّي مَعَهُ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْقَائِمَةَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً بِأَسْلِحَتِهَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْأَمْرِ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ حَالَ الصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِأَنْ يَكُونَ آخِذًا لِسِلَاحِهِ، أَيْ: غَيْرُ وَاضِعٍ لَهُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْأَخْذَ بِالْيَدِ، بَلِ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونُوا حَامِلِينَ لِسِلَاحِهِمْ لِيَتَنَاوَلُوهُ مِنْ قُرْبٍ إِذَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أَقْطَعَ لِرَجَاءِ عَدُوِّهِمْ مِنْ إِمْكَانِ فُرْصَتِهِ فِيهِمْ. وَقَدْ قَالَ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ إِلَى الطَّائِفَةِ الْقَائِمَةِ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: لِأَنَّ الْمُصَلِّيَةَ لَا تحارب،

[1] التوبة: 103.
[2] المائدة: 6.
[3] النحل: 98.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 586
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست