نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 135
له، يقرر حقيقة شأن النبي- صلى الله عليه وسلم- وموقفه الطبيعي:
«وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ» ..
ليس من شأنك أن تتبع قبلتهم أصلاً. واستخدام الجملة الاسمية المنفية هنا أبلغ في بيان الشأن الثابت الدائم للرسول- صلى الله عليه وسلم- تجاه هذا الأمر. وفيه إيحاء قوي للجماعة المسلمة من ورائه. فلن تختار قبلة غير قبلة رسولها التي اختارها له ربه ورضيها له ليرضيه ولن ترفع راية غير رايتها التي تنسبها إلى ربها ولن تتبع منهجاً إلا المنهج الإلهي الذي ترمز له هذه القبلة المختارة.. هذا شأنها ما دامت مسلمة فإذا لم تفعل فليست من الإسلام في شيء.. إنما هي دعوى..
ويستطرد فيكشف عن حقيقة الموقف بين أهل الكتاب بعضهم وبعض فهم ليسوا على وفاق، لأن الأهواء تفرقهم:
«وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ» ..
والعداء بين اليهود والنصارى، والعداء بين الفرق اليهودية المختلفة، والعداء بين الفرق النصرانية المختلفة أشد عداء.
وما كان للنبي- صلى الله عليه وسلم- وهذا شأنه وهذا شأن أهل الكتاب، وقد علم الحق في الأمر، أن يتبع أهواءهم بعد ما جاءه من العلم:
«وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ» ..
ونقف لحظة أمام هذا الجد الصارم، في هذا الخطاب الإلهي من الله سبحانه إلى نبيه الكريم الذي حدثه منذ لحظة ذلك الحديث الرفيق الودود..
إن الأمر هنا يتعلق بالاستقامة على هدي الله وتوجيهه ويتعلق بقاعدة التميز والتجرد إلا من طاعة الله ونهجه.
ومن ثم يجيء الخطاب فيه بهذا الحزم والجزم، وبهذه المواجهة والتحذير.. «إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ» ..
إن الطريق واضح، والصراط مستقيم.. فإما العلم الذي جاء من عند الله. وإما الهوى في كل ما عداه.
وليس للمسلم أن يتلقى إلا من الله. وليس له أن يدع العلم المستيقن إلى الهوى المتقلب. وما ليس من عند الله فهو الهوى بلا تردد.
وإلى جانب هذا الإيحاء الدائم نلمح كذلك أنه كانت هناك حالة واقعة من بعض المسلمين، في غمرة الدسائس اليهودية وحملة التضليل الماكرة، تستدعي هذه الشدة في التحذير، وهذا الجزم في التعبير.
146- وبعد هذه الوقفة العابرة نعود إلى السياق فنجده لا يزال يقرر معرفة أهل الكتاب الجازمة بأن الحق في هذا الشأن وفي غيره هو ما جاء به القرآن، وما أمر به الرسول. ولكنهم يكتمون الحق الذي يعلمونه، للهوى الذي يضمرونه:
«الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» ..
ومعرفة الناس بأبنائهم هي قمة المعرفة، وهي مثل يضرب في لغة العرب على اليقين الذي لا شبهة فيه..
فإذا كان أهل الكتاب على يقين من الحق الذي جاء به النبي- صلى الله عليه وسلم- ومنه هذا الذي جاء به في شأن القبلة، وكان فريق منهم يكتمون الحق الذي يعلمونه علم اليقين.. فليس سبيل المؤمنين إذن أن يتأثروا
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 135