نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 150
(وسيأتي تفصيل هذا عند الكلام على فريضة الحج في موضعه من سياق السورة) .. فأما العمرة فكالحج في شعائرها فيما عدا الوقوف بعرفة دون توقيت بمواقيت الحج. وفي كلا الحج والعمرة جعل الطواف بين الصفا المروة من شعائرهما.
ثم يختم الآية بتحسين التطوع بالخير إطلاقاً:
«وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ» ..
فيلمح إلى أن هذا الطواف من الخير، وبذلك ينفي من النفوس كل حرج، ويطيب القلوب بهذه الشعائر، ويطمئنها على أن الله يعدها خيراً، ويجازي عليها بالخير. وهو يعلم ما تنطوي عليه القلوب من نية وشعور.
ولا بد أن نقف لحظة أمام ذلك التعبير الموحي: «فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ ... » .. إن المعنى المقصود أن الله يرضى عن ذلك الخير ويثيب عليه. ولكن كلمة «شاكِرٌ» تلقي ظلالاً ندية وراء هذا المعنى المجرد. تلقي ظلال الرضى الكامل، حتى لكأنه الشكر من الرب للعبد. ومن ثم توحي بالأدب الواجب من العبد مع الرب. فإذا كان الرب يشكر لعبده الخير، فماذا يصنع العبد ليوفي الرب حقه من الشكر والحمد؟؟ تلك ظلال التعبير القرآني التي تلمس الحس بكل ما فيها من الندى والرفق والجمال.
159- ومن بيان مشروعية الطواف بالصفا والمروة ينتقل السياق إلى الحملة على الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى، وهم اليهود الذين سبق الحديث عنهم طويلا في سياق السورة. مما يوحي بأن دسائسهم لم تنقطع حول مسألة الاتجاه إلى المسجد الحرام وفرض الحج إليه أيضاً:
«إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ، وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ، أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ» ..
ولقد كان أهل الكتاب يعرفون مما بين أيديهم من الكتاب مدى ما في رسالة محمد- صلى الله عليه وسلم- من حق، ومدى ما في الأوامر التي يبلغها من صدق، ومع هذا يكتمون هذا الذي بينه الله لهم في الكتاب.
فهم وأمثالهم في أي زمان، ممن يكتمون الحق الذي أنزله الله، لسبب من أسباب الكتمان الكثيرة، ممن يراهم الناس في شتى الأزمنة وشتى الأمكنة، يسكتون عن الحق وهم يعرفونه، ويكتمون الأقوال التي تقرره وهم على يقين منها، ويجتنبون آيات في كتاب الله لا يبرزونها بل يسكتون عنها ويخفونها لينحوا الحقيقة التي تحملها هذه الآيات ويخفوها بعيداً عن سمع الناس وحسهم، لغرض من أغراض هذه الدنيا.. الأمر الذي نشهده في مواقف كثيرة، وبصدد حقائق من حقائق هذا الدين كثيرة.. «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» ..
كأنما تحولوا إلى ملعنة، ينصب عليها اللعن من كل مصدر، ويتوجه إليها- بعد الله- من كل لاعن! واللعن: الطرد في غضب وزجر، وأولئك الخلق يلعنهم الله فيطردهم من رحمته، ويطاردهم اللاعنون من كل صوب. فهم هكذا مطاردون من الله ومن عباده في كل مكان..
160- «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا. فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ، وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» ..
هؤلاء يفتح القرآن لهم هذه النافذة المضيئة- نافذة التوبة- يفتحها فتنسم نسمة الأمل في الصدور، وتقود
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 150