responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 160
يقبض الأيدي عن الإنفاق، ويقبض النفوس عن الأريحية، ويقبض الأرواح عن الانطلاق. فهي قيمة روحية يشير إليها ذلك النص على حب المال. وقيمة شعورية أن يبسط الإنسان يده وروحه فيما يحب من مال.
لا في الرخيص منه ولا الخبيث. فيتحرر من عبودية المال، هذه العبودية التي تستذل النفوس، وتنكس الرؤوس. ويتحرر من الحرص. والحرص يذل اعناق الرجال. وهي قيمة إنسانية كبرى في حساب الإسلام، الذي يحاول دائماً تحرير الإنسان من وساوس نفسه وحرصها وضعفها قبل أن يحاول تحريره من الخارج في محيط الجماعة وارتباطاتها، يقيناً منه بأن عبيد أنفسهم هم عبيد الناس وأن أحرار النفوس من الشهوات هم أحرار الرؤوس في المجتمعات! .. ثم إنها بعد ذلك كله قيمة إنسانية في محيط الجماعة.. هذه الصلة لذوي القربى فيها تحقيق لمروءة النفس، وكرامة الأسرة، ووشائج القربى. والأسرة هي النواة الأولى للجماعة.
ومن ثم هذه العناية بها وهذا التقديم.. وهي لليتامى تكافل بين الكبار والصغار في الجماعة، وبين الأقوياء فيها والضعفاء وتعويض لهؤلاء الصغار عن فقدان الحماية والرعاية الأبويتين وحماية للأمة من تشرد صغارها، وتعرضهم للفساد، وللنقمة على المجتمع الذي لم يقدم لهم براً ولا رعاية.. وهي للمساكين الذين لا يجدون ما ينفقون- وهم مع ذلك ساكنون لا يسألون ضناً بماء وجوههم- احتفاظ لهم بكرامة نفوسهم، وصيانة لهم من البوار، وإشعار لهم بالتضامن والتكافل في محيط الجماعة المسلمة، التي لا يهمل فيها فرد، ولا يضيع فيها عضو.. وهي لابن السبيل- المنقطع عن ماله وأهله- واجب للنجدة في ساعة العسرة، وانقطاع الطريق دون الأهل والمال والديار وإشعار له بأن الإنسانية كلها أهل، وبأن الأرض كلها وطن، يلقى فيها أهلاً بأهل، ومالاً بمال، وصلة بصلة، وقراراً بقرار.. وهي للسائلين إسعاف لعوزهم، وكف لهم عن المسألة التي يكرهها الإسلام. وفي الإسلام لا يسأل من يجد الكفاية أو من يجد عملاً، فهو مأمور من دينه أن يعمل ولا يسأل، وأن يقنع ولا يسأل. فلا سائل إلا حيث يعييه العمل والمال.. وهي في الرقاب اعتاق وتحرير لمن أوقعه سوء عمله في الرق بحمل السيف في وجه الإسلام- حتى يسترد حريته وإنسانيته الكريمة. ويتحقق هذا النص إما بشراء الرقيق وعتقه، وإما بإعطائه ما يؤدي به ما كاتب عليه سيده في نظير عتقه. والإسلام يعلن حرية الرقيق في اللحظة التي يطلب فيها الحرية، ويطلب مكاتبته عليها- أي أداء مبلغ من المال في سبيلها، ومنذ هذه اللحظة يصبح عمله بأجر يحسب له، ويصبح مستحقاً في مصارف الزكاة، ويصبح من البر كذلك إعطاؤه من النفقات غير الزكاة.. كل أولئك ليسارع في فك رقبته، واسترداد حريته..
وإقامة الصلاة؟ ما قيمتها في مجال البر الذي هو جماع الخير؟
إن إقامة الصلاة شيء غير التولي قبل المشرق والمغرب. إنها توجه الإنسان بكليته إلى ربه، ظاهراً وباطناً، جسماً وعقلاً وروحاً. إنها ليست مجرد حركات رياضية بالجسم، وليست مجرد توجه صوفي بالروح. فالصلاة الإسلامية تلخص فكرة الإسلام الأساسية عن الحياة. إن الإسلام يعترف بالإنسان جسماً وعقلاً وروحاً في كيان ولا يفترض أن هناك تعارضاً بين نشاط هذه القوى المكونة في مجموعها للإنسان، ولا يحاول أن يكبت الجسم لتنطلق الروح، لأن هذا الكبت ليس ضرورياً لانطلاق الروح. ومن ثم يجعل عبادته الكبرى.. الصلاة.
مظهراً لنشاط قواه الثلاث وتوجهها إلى خالقها جميعاً في ترابط واتساق. يجعلها قياماً وركوعاً وسجوداً تحقيقاً لحركة الجسد، ويجعلها قراءة وتدبراً وتفكيراً في المعنى والمبنى تحقيقا لنشاط العقل ويجعلها توجها واستسلاماً لله تحقيقا لنشاط الروح.. كلها في آن.. وإقامة الصلاة على هذا النحو تذكر بفكرة الإسلام كلها عن الحياة، وتحقق فكرة الإسلام كلها عن الحياة.. في كل ركعة وفي كل صلاة.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 160
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست