نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 169
فالدين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، إنما يقودهم بالتقوى. وغاية هذه العبادة خاصة هي التقوى.
والذي يفلت من أداء الفريضة تحت ستار الرخصة لا خير فيه منذ البدء، لأن الغاية الأولى من أداء الفريضة لا تتحقق. وهذا الدين دين الله لا دين الناس. والله أعلم بتكامل هذا الدين، بين مواضع الترخص ومواضع التشدد وقد يكون وراء الرخصة في موضع من المصلحة ما لا يتحقق بدونها. بل لا بد أن يكون الأمر كذلك. ومن ثم أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ المسلمون برخص الله التي رخصها لهم. وإذا حدث أن فسد الناس في جيل من الأجيال فإن إصلاحهم لا يتأتى من طريق التشدد في الأحكام ولكن يتأتى من طريق إصلاح تربيتهم وقلوبهم واستحياء شعور التقوى في أرواحهم. وإذا صح التشدد في أحكام المعاملات عند فساد الناس كعلاج رادع، وسد للذرائع، فإن الأمر في الشعائر التعبدية يختلف، إذ هي حساب بين العبد والرب، لا تتعلق به مصالح العباد تعلقاً مباشراً كأحكام المعاملات التي يراعى فيها الظاهر. والظاهر في العبادات لا يجدي ما لم يقم على تقوى القلوب. وإذا وجدت التقوى لم يتفلت متفلت، ولم يستخدم الرخصة إلا حيث يرتضيها قلبه، ويراها هي الأولى، ويحس أن طاعة الله في أن يأخذ بها في الحالة التي يواجهها.
أما تشديد الأحكام جملة في العبادات أو الميل إلى التضييق من إطلاق الرخص التي أطلقتها النصوص، فقد ينشيء حرجاً لبعض المتحرجين. في الوقت الذي لا يجدي كثيراً في تقويم المتفلتين.. والأولى على كل حال أن نأخذ الأمور بالصورة التي أرادها الله في هذا الدين. فهو أحكم منا وأعلم بما وراء رخصه وعزائمه من مصالح قريبة وبعيدة.. وهذا هو جماع القول في هذا المجال.
بقي أن نثبت هنا بعض ما روي من السنة في حالات متعددة من حالات السفر، في بعضها كان التوجيه إلى الفطر وفي بعضها لم يقع نهي عن الصيام.. وهي بمجموعها تساعد على تصور ما كان عليه السلف الصالح من إدراك للأمر، قبل أن تأخذ الأحكام شكل التقعيد الفقهي على أيدي الفقهاء المتأخرين. وصورة سلوك أولئك السلف- رضوان الله عليهم- أملأ بالحيوية، وألصق بروح هذا الدين وطبيعته، من البحوث الفقهية ومن شأن الحياة معها وفي جوها أن تنشئ في القلب مذاقاً حياً لهذه العقيدة وخصائصها:
1- عن جابر- رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ «كراع الغميم» فصام الناس. ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس، ثم شرب. فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: أولئك العصاة. أولئك العصاة» .. (أخرجه مسلم والترمذي) .
2- وعن أنس رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في سفر، فمنا الصائم ومنا المفطر. فنزلنا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده. فسقط الصوام وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- ذهب المفطرون اليوم بالأجر» .. (أخرجه الشيخان والنسائي) .
3- وعن جابر- رضي الله عنه- قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- في سفر، فرأى رجلاً قد اجتمع عليه الناس، وقد ظلل عليه. فقال: ما له؟ فقالوا: رجل صائم. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«ليس من البر الصوم في السفر» .. (أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والنسائي) .
4- وعن عمرو بن أمية الضمري- رضي الله عنه- قال: قدمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من سفر. فقال: انتظر الغداء يا أبا أمية. قلت: يا رسول الله إني صائم. قال: إذاً أخبرك عن المسافر. إن
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 169