responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 171
فالرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يربي وكان يواجه حالات حية. ولم يكن يواجهها بقوالب جامدة! ولكن الانطباع الأخير في الحس في أمر الصوم في السفر هو استحباب الفطر، دون تقيد بحصول المشقة بالفعل.. أما المرض فلم أجد فيه شيئاً إلا أقوال الفقهاء، والظاهر أنه مطلق في كل ما يثبت له وصف المرض، بلا تحديد في نوعه وقدره ولا خوف شدته، على وجوب القضاء يوماً بيوم في المرض والسفر، من غير موالاة في أيام القضاء على الرأي الأرجح.
وقد استطردت هذا الاستطراد لا لأخوض في خلافات فقهية ولكن لتقرير قاعدة في النظر إلى الشعائر التعبدية، وارتباطها الوثيق بإنشاء حالة شعورية هي الغاية المقدمة منها. وهذه الحالة هي التي تحكم سلوك المتعبد وعليها الاعتماد الأول في تربية ضميره، وحسن أدائه للعبادة وحسن سلوكه في الحياة.. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أن نأخذ هذا الدين- كما أراده الله- بتكاليفه كلها، طاعة وتقوى وأن نأخذه جملة بعزائمه ورخصه، متكاملاً متناسقاً، في طمأنينة إلى الله، ويقين بحكمته، وشعور بتقواه.
ثم نعود إلى استكمال السياق:
«وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» ..
وفي أول الأمر كان تكليف الصوم شاقاً على المسلمين- وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة قبيل فرض الجهاد- فجعل الله فيه رخصة لمن يستطيع الصوم بجهد- وهو مدلول يطيقونه- فالإطاقة الاحتمال بأقصى جهد- جعل الله هذه الرخصة، وهي الفطر مع إطعام مسكين.. ثم حببهم في التطوع بإطعام المساكين إطلاقاً، إما تطوعاً بغير الفدية، وإما بالإكثار عن حد الفدية، كأن يطعم اثنين أو ثلاثة أو أكثر بكل يوم من أيام الفطر في رمضان: «فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ» .. ثم حببهم في اختيار الصوم مع المشقة- في غير سفر ولا مرض-: «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» .. لما في الصوم من خير في هذه الحالة. يبدو منه لنا عنصر تربية الإرادة، وتقوية الاحتمال، وإيثار عبادة الله على الراحة. وكلها عناصر مطلوبة في التربية الإسلامية.
كما يبدو لنا منه ما في الصوم من مزايا صحية- لغير المريض- حتى ولو أحس الصائم بالجهد.
وعلى أية حال فقد كان هذا التوجيه تمهيداً لرفع هذه الرخصة عن الصحيح المقيم وإيجاب الصيام إطلاقاً.
كما جاء فيما بعد. وقد بقيت للشيخ الكبير الذي يجهده الصوم، ولا ترجى له حالة يكون فيها قادراً على القضاء.. فأخرج الإمام مالك أنه بلغه أن أنس بن مالك- رضي الله عنه- كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي.. وقال ابن عباس: ليست منسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً.. وعن ابن أبي ليلى قال: دخلت على عطاء في رمضان وهو يأكل، فقال: قال ابن عباس نزلت هذه الآية فنسخت الأولى إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكيناً وأفطر. فالنسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بالآية الآتية: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... » .
185- وتحبيب آخر في أداء هذه الفريضة للصحيح المقيم.. إنها صوم رمضان: الشهر الذي أنزل فيه القرآن- إما بمعنى أن بدء نزوله كان في رمضان، أو أن معظمه نزل في أشهر رمضان- والقرآن هو كتاب هذه الأمة الخالد، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور، فأنشأها هذه النشأة، وبدلها من خوفها أمناً، ومكن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة، ولم تكن من قبل شيئاً. وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء. فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 171
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست