نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 187
المسلمة أن تدفع عنهم بالقوة من يتعرض لهم بالأذى والفتنة. ضماناً لحرية العقيدة، وكفالة لأمن الذين هداهم الله، وإقراراً لمنهج الله في الحياة، وحماية للبشرية من الحرمان من ذلك الخير العام.
وينشأ عن تلك الحقوق الثلاثة واجب آخر على الجماعة المسلمة وهو أن تحطم كل قوة تعترض طريق الدعوة وإبلاغها للناس في حرية، أو تهدد حرية اعتناق العقيدة وتفتن الناس عنها. وأن تظل تجاهد حتى تصبح الفتنة للمؤمنين بالله غير ممكنة لقوة في الأرض، ويكون الدين لله.. لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان.
ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض، بحيث لا يخشى أن يدخل فيه من يريد الدخول ولا يخاف قوة في الأرض تصده عن دين الله أن يبلغه، وأن يستجيب له، وأن يبقى عليه. وبحيث لا يكون في الأرض وضع أو نظام يحجب نور الله وهداه عن أهله ويضلهم عن سبيل الله. بأية وسيلة وبأية أداة.
وفي حدود هذه المبادئ العامة كان الجهاد في الإسلام.
وكان لهذه الأهداف العليا وحدها، غير متلبسة بأي هدف آخر، ولا بأي شارة أخرى.
إنه الجهاد للعقيدة. لحمايتها من الحصار وحمايتها من الفتنة وحماية منهجها وشريعتها في الحياة وإقرار رايتها في الأرض بحيث يرهبها من يهم بالاعتداء عليها قبل الاعتداء وبحيث يلجأ إليها كل راغب فيها لا يخشى قوة أخرى في الأرض تتعرض له أو تمنعه أو تفتنه.
وهذا هو الجهاد الوحيد الذي يأمر به الإسلام، ويقره ويثيب عليه ويعتبر الذين يقتلون فيه شهداء والذين يحتملون أعباءه أولياء.
وهذه الآيات من سورة البقرة في هذا الدرس كانت تواجه وضع الجماعة المسلمة في المدينة مع مشركي قريش الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم، وآذوهم في دينهم، وفتنوهم في عقيدتهم، وهي- مع هذا- تمثل قاعدة أحكام الجهاد في الإسلام:
وتبدأ الآيات بأمر المسلمين بقتال هؤلاء الذين قاتلوهم وما يزالون يقاتلونهم، وبقتال من يقاتلهم في أي وقت وفي أي مكان، ولكن دون اعتداء:
«وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ، وَلا تَعْتَدُوا، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» ..
وفي أول آية من آيات القتال نجد التحديد الحاسم لهدف القتال، والراية التي تخاض تحتها المعركة في وضوح وجلاء:
«وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ» ..
إنه القتال لله، لا لأي هدف آخر من الأهداف التي عرفتها البشرية في حروبها الطويلة. القتال في سبيل الله. لا في سبيل الأمجاد والاستعلاء في الأرض، ولا في سبيل المغانم والمكاسب ولا في سبيل الأسواق والخامات ولا في سبيل تسويد طبقة على طبقة أو جنس على جنس.. إنما هو القتال لتلك الأهداف المحددة التي من أجلها شرع الجهاد في الإسلام، القتال لإعلاء كلمة الله في الأرض، وإقرار منهجه في الحياة، وحماية المؤمنين به أن يفتنوا عن دينهم، أو أن يجرفهم الضلال والفساد، وما عدا هذه فهي حرب غير مشروعة في حكم الإسلام، وليس لمن يخوضها أجر عند الله ولا مقام.
ومع تحديد الهدف، تحديد المدى:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 187