نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 205
حتى إذا جاء دور العمل ظهر المخبوء، وانكشف المستور، وفضح بما فيه من حقيقة الشر والبغي والحقد والفساد:
«وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» ..
وإذا انصرف إلى العمل، كانت وجهته الشر والفساد، في قسوة وجفوة ولدد، تتمثل في إهلاك كل حي من الحرث الذي هو موضع الزرع والإنبات والإثمار، ومن النسل الذي هو امتداد الحياة بالإنسال.. وإهلاك الحياة على هذا النحو كناية عما يعتمل في كيان هذا المخلوق النكد من الحقد والشر والغدر والفساد..
مما كان يستره بذلاقة اللسان، ونعومة الدهان، والتظاهر بالخير والبر والسماحة والصلاح.. «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» .. ولا يحب المفسدين الذين ينشئون في الأرض الفساد.. والله لا تخفى عليه حقيقة هذا الصنف من الناس ولا يجوز عليه الدهان والطلاء الذي قد يجوز على الناس في الحياة الدنيا، فلا يعجبه من هذا الصنف النكد ما يعجب الناس الذين تخدعهم الظواهر وتخفى عليهم السرائر.
206- ويمضي السياق يوضح معالم الصورة ببعض اللمسات:
«وَإِذا قِيلَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ. فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ» ..
إذا تولى فقصد إلى الإفساد في الأرض وأهلك الحرث والنسل ونشر الخراب والدمار وأخرج ما يعتمل في صدره من الحقد والضغن والشر والفساد.. إذا فعل هذا كله ثم قيل له: «اتَّقِ اللَّهَ» .. تذكيراً له بخشية الله والحياء منه والتحرج من غضبه.. أنكر أن يقال له هذا القول واستكبر أن يوجه إلى التقوى وتعاظم أن يؤخذ عليه خطأ وأن يوجه إلى صواب. وأخذته العزة لا بالحق ولا بالعدل ولا بالخير ولكن «بِالْإِثْمِ» .. فاستعز بالإجرام والذنب والخطيئة، ورفع رأسه في وجه الحق الذي يذكر به، وأمام الله بلا حياء منه وهو الذي كان يشهد الله على ما في قلبه ويتظاهر بالخير والبر والإخلاص والتجرد والاستحياء! إنها لمسة تكمل ملامح الصورة، وتزيد في قسماتها وتمييزها بذاتها.. وتدع هذا النموذج حياً يتحرك. تقول في غير تردد: هذا هو. هذا هو الذي عناه القرآن! وأنت تراه أمامك ماثلا في الأرض الآن وفي كل آن! وفي مواجهة هذا الاعتزاز بالإثم واللدد في الخصومة والقسوة في الفساد والفجور في الإفساد..
في مواجهة هذا كله يجبهه السياق باللطمة اللائقة بهذه الجبلة النكدة:
«فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ، وَلَبِئْسَ الْمِهادُ!» ..
حسبه! ففيها الكفاية! جهنم التي وقودها الناس والحجارة. جهنم التي يكبكب فيها الغاوون وجنود إبليس أجمعون. جهنم الحطمة التي تطلع على الأفئدة. جهنم التي لا تبقي ولا تذر. جهنم التي تكاد تميز من الغيظ! حسبه جهنم «وَلَبِئْسَ الْمِهادُ!» ويا للسخرية القاصمة في ذكر «الْمِهادُ» هنا.. ويا لبؤس من كان مهاده جهنم بعد الاعتزاز والنفخة والكبرياء! 207- ... ذلك نموذج من الناس. يقابله نموذج آخر على الطرف الآخر من القياس:
«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ. وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ» ..
ويشري هنا معناها يبيع. فهو يبيع نفسه كلها لله ويسلمها كلها لا يستبقي منها بقية، ولا يرجو من وراء أدائها وبيعها غاية إلا مرضاة الله. ليس له فيها شيء، وليس له من ورائها شيء. بيعة كاملة لا تردد فيها ولا تلفت ولا تحصيل ثمن، ولا استبقاء بقية لغير الله.. والتعبير يحتمل معنى آخر يؤدي إلى نفس الغاية..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 205