نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 207
لليد التي تقود خطاهم وهم واثقون أنها تريد بهم الخير والنصح والرشاد وهم مطمئنون إلى الطريق والمصير، في الدنيا والآخرة سواء.
وتوجيه هذه الدعوة إلى الذين آمنوا إذ ذاك تشي بأنه كانت هنالك نفوس ما تزال يثور فيها بعض التردد في الطاعة المطلقة في السر والعلن. وهو أمر طبيعي أن يوجد في الجماعة إلى جانب النفوس المطمئنة الواثقة الراضية.. وهي دعوة توجه في كل حين للذين آمنوا ليخلصوا ويتجردوا وتتوافق خطرات نفوسهم واتجاهات مشاعرهم مع ما يريد الله بهم، وما يقودهم إليه نبيهم ودينهم، في غير ما تلجلج ولا تردد ولا تلفت.
والمسلم حين يستجيب هذه الاستجابة يدخل في عالم كله سلم وكله سلام. عالم كله ثقة واطمئنان، وكله رضى واستقرار. لا حيرة ولا قلق، ولا شرود ولا ضلال. سلام مع النفس والضمير. سلام مع العقل والمنطق. سلام مع الناس والأحياء. سلام مع الوجود كله ومع كل موجود. سلام يرف في حنايا السريرة.
وسلام يظلل الحياة والمجتمع. سلام في الأرض وسلام في السماء.
وأول ما يفيض هذا السلام على القلب يفيض من صحة تصوره لله ربه، ونصاعة هذا التصور وبساطته..
إنه إله واحد. يتجه إليه المسلم وجهة واحدة يستقر عليها قلبه فلا تتفرق به السبل، ولا تتعدد به القبل ولا يطارده إله من هنا وإله من هناك- كما كان في الوثنية والجاهلية- إنما هو إله واحد يتجه إليه في ثقة وفي طمأنينة وفي نصاعة وفي وضوح.
وهو إله قوي قادر عزيز قاهر.. فإذا اتجه إليه المسلم فقد اتجه إلى القوة الحقة الوحيدة في هذا الوجود.
وقد أمن كل قوة زائفة واطمأن واستراح. ولم يعد يخاف أحدا أو يخاف شيئاً، وهو يعبد الله القوي القادر العزيز القاهر. ولم يعد يخشى فوت شيء. ولا يطمع في غير من يقدر على الحرمان والعطاء.
وهو إله عادل حكيم، فقوته وقدرته ضمان من الظلم، وضمان من الهوى، وضمان من البخس. وليس كآلهة الوثنية والجاهلية ذوات النزوات والشهوات. ومن ثم يأوي المسلم من إلهه إلى ركن شديد، ينال فيه العدل والرعاية والأمان.
وهو رب رحيم ودود. منعم وهاب. غافر الذنب وقابل التوب. يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
فالمسلم في كنفه آمن آنس، سالم غانم، مرحوم إذا ضعف، مغفور له متى تاب..
وهكذا يمضي المسلم مع صفات ربه التي يعرفه بها الإسلام فيجد في كل صفة ما يؤنس قلبه، وما يطمئن روحه، وما يضمن معه الحماية والوقاية والعطف والرحمة والعزة والمنعة والاستقرار والسلام..
كذلك يفيض السلام على قلب المسلم من صحة تصور العلاقة بين العبد والرب. وبين الخالق والكون.
وبين الكون والإنسان.. فالله خلق هذا الكون بالحق وخلق كل شيء فيه بقدر وحكمة. وهذا الإنسان مخلوق قصداً، وغير متروك سدى، ومهيأ له كل الظروف الكونية المناسبة لوجوده، ومسخر له ما في الأرض جميعاً.
وهو كريم على الله، وهو خليفته في أرضه. والله معينه على هذه الخلافة. والكون من حوله صديق مأنوس، تتجاوب روحه مع روحه، حين يتجه كلاهما إلى الله ربه. وهو مدعو إلى هذا المهرجان الإلهي المقام في السماوات والأرض ليتملاه ويأنس به. وهو مدعو للتعاطف مع كل شيء ومع كل حي في هذا الوجود
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 207