نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 236
وجه الأرض.. الأطفال.. رصيد المستقبل البشري.. وفي مقابل ماذا؟ في مقابل زيادة في دخل الأسرة.
أو في مقابل إعالة الأم، التي بلغ من جحود الجاهلية الغربية والشرقية المعاصرة وفساد نظمها الاجتماعية والاقتصادية أن تنكل عن إعالة المرأة التي لا تنفق جهدها في العمل، بدل أن تنفقه في رعاية أعز رصيد إنساني وأغلى ذخيرة على وجه هذه الأرض [1] .
ومن ثم نجد النظام الاجتماعي الإسلامي، الذي أراد الله به أن يدخل المسلمون في السلم، وأن يستمتعوا في ظله بالسلام الشامل.. يقوم على أساس الأسرة، ويبذل لها من العناية ما يتفق مع دورها الخطير.. ومن ثم نجد في سور شتى من القرآن الكريم تنظيمات قرآنية للجوانب والمقومات التي يقوم عليها هذا النظام. وهذه السورة واحدة منها..
والآيات الواردة في هذه السورة تتناول بعض أحكام الزواج والمعاشرة. والإيلاء والطلاق والعدة والنفقة والمتعة. والرضاعة والحضانة..
ولكن هذه الأحكام لا تذكر مجردة- كما اعتاد الناس أن يجدوها في كتب الفقه والقانون.. كلا! إنها تجيء في جو يشعر القلب البشري أنه يواجه قاعدة كبرى من قواعد المنهج الإلهي للحياة البشرية وأصلاً كبيراً من أصول العقيدة التي ينبثق منها النظام الإسلامي. وأن هذا الأصل موصول بالله سبحانه مباشرة. موصول بإرادته وحكمته ومشيئته في الناس، ومنهجه لإقامة الحياة على النحو الذي قدره وأراده لبني الإنسان. ومن ثم فهو موصول بغضبه ورضاه، وعقابه وثوابه، وموصول بالعقيدة وجوداً وعدماً في حقيقة الحال! ومنذ اللحظة الأولى يشعر الإنسان بخطر هذا الأمر وخطورته كما يشعر أن كل صغيرة وكبيرة فيه تنال عناية الله ورقابته، وأن كل صغيرة وكبيرة فيه مقصودة كذلك قصداً لأمر عظيم في ميزان الله. وأن الله يتولى بذاته- سبحانه- تنظيم حياة هذا الكائن، والإشراف المباشر على تنشئة الجماعة المسلمة تنشئة خاصة تحت عينه، وإعدادها- بهذه النشأة- للدور العظيم الذي قدره لها في الوجود. وأن الاعتداء على هذا المنهج يغضب الله ويستحق منه شديد العقاب.
إن هذه الأحكام تذكر بدقة وتفصيل.. لا يبدأ حكم جديد حتى يكون قد فرغ من الحكم السابق وملابساته.
ثم تجيء التعقيبات الموحية بعد كل حكم، وأحياناً في ثنايا الأحكام، منبئة بضخامة هذا الأمر وخطورته، تلاحق الضمير الإنساني ملاحقة موقظة محيية موحية. وبخاصة عند التوجيهات التي يناط تنفيذها بتقوى القلب وحساسية الضمير، لأن الاحتيال على النصوص والأحكام ممكن بغير هذا الوازع الحارس المستيقظ. [1] من أول ما أثبتته تجربة المحاضن أن الطفل في العالمين الأولين من عمره يحتاج حاجة نفسية فطرية إلى الاستقلال بوالدين له خاصة! وبخاصة الاستقلال بأم لا يشاركه فيها طفل آخر. وفيما بعد هذه السن يحتاج حاجة فطرية إلى الشعور بأن له أبا وأما مميزين ينسب إليهما، والأمر الأول متعذر في المحاضن. والأمر الثاني متعذر في غير نظام الأسرة. وأي طفل يفقد أيهما ينشأ منحرفا شاذا مريضا مرضا نفسيا على نحو من الأنحاء.
وحين تكون هناك حادثة تحرم الطفل إحدى هاتين الحاجتين تكون ولا شك كارثة في حياته. فما بال الجاهلية الشاردة تريد أن تعمم الكوارث في حياة الأطفال جميعا؟ ثم يزعم أناس حرموا أنفسهم نعمة السلام الذي أراده الله لهم.. أن هذا هو التقدم والتحرر والحضارة؟! (ويراجع بتوسع فصل «المشكلة الجنسية» في كتاب: «الإنسان بين المادية والإسلام» وفصل «الإسلام والمرأة» في كتاب: «شبهات حول الإسلام» لمحمد قطب) . «دار الشروق»
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 236