نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 248
يقع لسبب طبيعي أن يطلقها. فتبين منه لأنه لم يراجعها. أو لأنه استوفى عليها عدد مرات الطلاق. فحينئذ فقط يمكن أن تعود إلى زوجها الأول.
إن الطلقة الأولى محك وتجربة كما بينا. فأما الثانية فهي تجربة أخرى وامتحان أخير. فإن صلحت الحياة بعدها فذاك. وإلا فالطلقة الثالثة دليل على فساد أصيل في حياة الزوجية لا تصلح معه حياة.
وعلى أية حال فما يجوز أن يكون الطلاق إلا علاجاً أخيراً لعلة لا يجدي فيها سواه. فإذا وقعت الطلقتان:
فإما إمساك للزوجة بالمعروف، واستئناف حياة رضية رخية وإما تسريح لها بإحسان لا عنت فيه ولا إيذاء.
وهو الطلقة الثالثة التي تمضي بعدها الزوجة إلى خط في الحياة جديد.. وهذا هو التشريع الواقعي الذي يواجه الحالات الواقعة بالحلول العملية ولا يستنكرها حيث لا يجدي الاستنكار، ولا يعيد خلق بني الإنسان على نحو آخر غير الذي فطرهم الله عليه. ولا يهملها كذلك حيث لا يجدي الإهمال! ولا يحل للرجل أن يسترد شيئاً من صداق أو نفقة أنفقها في أثناء الحياة الزوجية في مقابل تسريح المرأة إذا لم تصلح حياته معها. ما لم تجد هي أنها كارهة لا تطيق عشرته لسبب يخص مشاعرها الشخصية وتحس أن كراهيتها له، أو نفورها منه، سيقودها إلى الخروج عن حدود الله في حسن العشرة، أو العفة، أو الأدب. فهنا يجوز لها أن تطلب الطلاق منه وأن تعوضه عن تحطيم عشه بلا سبب متعمد منه برد الصداق الذي أمهرها إياه، أو بنفقاته عليها كلها أو بعضها لتعصم نفسها من معصية الله وتعدِّي حدوده، وظلم نفسها وغيرها في هذه الحال. وهكذا يراعي الإسلام جميع الحالات الواقعية التي تعرض للناس ويراعي مشاعر القلوب الجادة التي لا حيلة للإنسان فيها ولا يقسر الزوجة على حياة تنفر منها وفي الوقت ذاته لا يضيع على الرجل ما أنفق بلا ذنب جناه.
ولكي نتصور حيوية هذا النص ومداه، يحسن أن نراجع سابقة واقعية من تطبيقه على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تكشف عن مدى الجد والتقدير والقصد والعدل في هذا المنهج الرباني القويم.
روى الإمام مالك في كتابه: الموطأ.. أن حبيبة بنت سهل الأنصاري كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس. وأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج في الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من هذه؟» قالت: أنا حبيبة بنت سهل! فقال: «ما شأنك؟» فقالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس- لزوجها- فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر» .. فقالت حبيبة: يا رسول الله، كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «خذ منها» فأخذ منها وجلست في أهلها.
وروى البخاري- بإسناده- عن ابن عباس رضي الله عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله. ما اعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أتردين عليه حديقته؟» (وكان قد أمهرها حديقة) قالت: نعم. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» ..
وفي رواية أكثر تفصيلاً رواها ابن جرير بإسناد- عن أبي جرير أنه سأل عكرمة: هل كان للخلع أصل؟
قال: كان ابن عباس يقول: إن أول خلع كان في الإسلام في أخت عبد الله بن أبي. إنها أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبداً. إني رفعت جانب الخباء فرأيته قد أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً. فقال زوجها: يا رسول الله
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 248