نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 251
بالله. والإيمان باليوم الآخر. وتذكر نعمة الله في شتى صورها ابتداء من نعمة الإيمان- أرفع النعم- إلى نعمة الصحة والرزق، واستحضار تقوى الله والرجاء في العوض منه عن الزوجية الفاشلة والنفقة الضائعة..
وهذا العنصر الذي تستحضره الآيتان اللتان تتحدثان هنا عن إيثار المعروف والجميل والحسنى، سواء اتصلت حبال الحياة الزوجية أو انفصمت عراها.
ولقد كانت المرأة في الجاهلية تلاقي من العنت ما يتفق وغلظ الجاهلية وانحرافها. كانت تلقى هذا العنت طفلة توأد في بعض الأحيان، أو تعيش في هون ومشقة وإذلال! وكانت تلقاه زوجة هي قطعة من المتاع للرجل، أغلى منها الناقة والفرس وأعز! وكانت تلقاه مطلقة. تعضل فتمنع من الزواج حتى يسمح مطلقها ويأذن! أو يعضلها أهلها دون العودة إلى مطلقها، إن أرادا أن يتراجعا.. وكانت النظرة إليها بصفة عامة نظرة هابطة زرية شأنها في هذا شأن سائر الجاهليات السائدة في الأرض في ذلك الأوان.
ثم جاء الإسلام.. جاء ينسم على حياة المرأة هذه النسمات الرخية التي نرى هنا نماذج منها. وجاء يرفع النظرة إليها فيقرر أنها والرجل نفس واحدة من خلقة بارئها.. وجاء يرتفع بالعلاقات الزوجية إلى مرتبة العبادة عند الإحسان فيها.. هذا ولم تطلب المرأة شيئا من هذا ولا كانت تعرفه. ولم يطلب الرجل شيئاً من هذا ولا كان يتصوره. إنما هي الكرامة التي أفاضها الله من رحمته للجنسين جميعاً، على الحياة الإنسانية جميعاً..
«وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا» ..
والمقصود ببلوغ الأجل هنا هو قرب انتهاء العدة التي قررها في آية سابقة. فإذا قرب الأجل فإما رجعة على نية الاصلاح- والمعاملة بالمعروف- وهذا هو الإمساك بالمعروف.. وإما ترك الأجل يمضي فتبين الزوجة- وهذا هو التسريح بإحسان، بدون إيذاء ولا طلب فدية من الزوجة وبدون عضل لها عن الزواج بمن تشاء..
«وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا» ..
وذلك كالذي روي عن الأنصاري الذي قال لامرأته: والله لا آويك ولا أفارقك! فهذا هو الإمساك بغير إحسان. إمساك الضرار الذي لا ترضاه سماحة الإسلام. وهو الإمساك الذي تكرر النهي عنه في هذا السياق لأنه فيما يبدو كان شائعاً في البيئة العربية: ويمكن أن يشيع في أية بيئة لم يهذبها الإسلام، ولم يرفعها الإيمان..
وهنا يستجيش القرآن أنبل المشاعر كما يستجيش عاطفة الحياء من الله، وشعور الخوف منه في آن.
ويحشد هذه المؤثرات كلها ليخلص النفوس من أوضاع الجاهلية وآثارها ويرتفع بها إلى المستوى الكريم الذي يأخذ بيدها إليه:
«وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً. وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ..
إن الذي يمسك المطلقة ضراراً واعتداء يظلم نفسه. فهي أخته. من نفسه. فإذا ظلمها فقد ظلم نفسه. وهو يظلم نفسه بإيرادها مورد المعصية، والجموح بها عن طريق الطاعة.. وهذه هي اللمسة الأولى.
وآيات الله التي بينها في العشرة والطلاق واضحة مستقيمة جادة، تقصد إلى تنظيم هذه الحياة وإقامتها على الجد والصدق فإذا هو استغلها في الحاق الإضرار والأذى بالمرأة، متلاعباً بالرخص التي جعلها الله متنفساً وصمام أمن، واستخدم حق الرجعة الذي جعله الله فرصة لاستعادة الحياة الزوجية وإصلاحها، في إمساك
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 251