نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 256
كذلك أبيحت الرغبة المكنونة التي لا يصرح بها لا تصريحاً ولا تلميحاً. لأن الله يعلم أن هذه الرغبة لا سلطان لإرادة البشر عليها:
«عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ» ..
وقد أباحها الله لأنها تتعلق بميل فطري، حلال في أصله، مباح في ذاته، والملابسات وحدها هي التي تدعو إلى تأجيل اتخاذ الخطوة العملية فيه. والإسلام يلحظ ألا يحطم الميول الفطرية إنما يهذبها، ولا يكبت النوازع البشرية إنما يضبطها. ومن ثم ينهى فقط عما يخالف نظافة الشعور، وطهارة الضمير:
«وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» ..
لا جناح في أن تعرضوا بالخطبة، أو أن تكنوا في أنفسكم الرغبة، ولكن المحظور هو المواعدة سراً على الزواج قبل انقضاء العدة. ففي هذا مجانبة لأدب النفس، ومخالسة لذكرى الزوج، وقلة استحياء من الله الذي جعل العدة فاصلاً بين عهدين من الحياة.
«إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً» ..
لا نكر فيه ولا فحش، ولا مخالفة لحدود الله التي بينها في هذا الموقف الدقيق:
«وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ» ..
ولم يقل: ولا تعقدوا النكاح.. إنما قال: «وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ» .. زيادة في التحرج.. فالعزيمة التي تنشئ العقدة هي المنهي عنها.. وذلك من نحو قوله تعالى: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها» .. توحي بمعنى في غاية اللطف والدقة.
«وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ» ..
وهنا يربط بين التشريع وخشية الله المطلع على السرائر. فللهواجس المستكنة وللمشاعر المكنونة هنا قيمتها في العلاقات بين رجل وامرأة. تلك العلاقات الشديدة الحساسية، العالقة بالقلوب، الغائرة في الضمائر.
وخشية الله، والحذر مما يحيك في الصدور أن يطلع عليه الله هي الضمانة الأخيرة، مع التشريع، لتنفيذ التشريع.
فإذا هز الضمير البشري هزة الخوف والحذر، فصحا وارتعش رعشة التقوى والتحرج، عاد فسكب فيه الطمأنينة لله، والثقة بعفو الله، وحلمه وغفرانه:
«وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ» ..
غفور يغفر خطيئة القلب الشاعر بالله، الحذر من مكنونات القلوب. حليم لا يعجل بالعقوبة فلعل عبده الخاطئ أن يتوب.
236- ثم يجيء حكم المطلقة قبل الدخول. وهي حالة جديدة غير حالات الطلاق بالمدخول بهن التي استوفاها من قبل. وهي حالة كثيرة الوقوع. فيبين ما على الزوجين فيها وما لهما:
«لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً. وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ. وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ. إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ. وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى. وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 256