responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 261
أن القرآن هو كتاب هذه الأمة الحي ورائدها الناصح وأنه هو مدرستها التي تلقت فيها دروس حياتها.
وأن الله- سبحانه- كان يربي به الجماعة المسلمة الأولى التي قسم لها إقامة منهجه الرباني في الأرض، وناط بها هذا الدور العظيم بعد أن أعدها له بهذا القرآن الكريم. وأنه- تعالى- أراد بهذا القرآن أن يكون هو الرائد الحي- الباقي بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- لقيادة أجيال هذه الأمة، وتربيتها، وإعدادها لدور القيادة الراشدة الذي وعدها به، كلما اهتدت بهديه، واستمسكت بعهدها معه، واستمدت منهج حياتها كله من هذا القرآن، واستغزت به واستعلت على جميع المناهج الأرضية. وهي بصفتها هذه، مناهج الجاهلية! إن هذا القرآن ليس مجرد كلام يتلى.. ولكنه دستور شامل.. دستور للتربية، كما أنه دستور للحياة العملية، ومن ثم فقد تضمن عرض تجارب البشرية بصورة موحية على الجماعة المسلمة التي جاء لينشئها ويربيها وتضمن بصفة خاصة تجارب الدعوة الإيمانية في الأرض من لدن آدم- عليه السلام- وقدمها زاداً للأمة المسلمة في جميع أجيالها. تجاربها في الأنفس، وتجاربها في واقع الحياة. كي تكون الأمة المسلمة على بينة من طريقها، وهي تتزود لها بذلك الزاد الضخم، وذلك الرصيد المتنوع.
ومن ثم جاء القصص في القرآن بهذه الوفرة، وبهذا التنوع، وبهذا الإيحاء.. وقصص بني إسرائيل هو أكثر القصص وروداً في القرآن الكريم، لأسباب عدة، ذكرنا بعضها في الجزء الأول من الظلال عند استقبال أحداث بني إسرائيل وذكرنا بعضها في هذا الجزء في مناسبات شتى- وبخاصة في أوله- ونضيف إليها هنا ما نرجحه.. وهو أن الله- سبحانه- علم أن أجيالاً من هذه الأمة المسلمة ستمر بأدوار كالتي مر فيها بنو إسرائيل، وتقف من دينها وعقيدتها مواقف شبيهة بمواقف بني إسرائيل فعرض عليها مزالق الطريق، مصورة في تاريخ بني إسرائيل، لتكون لها عظة وعبرة ولترى صورتها في هذه المرآة المرفوعة لها بيد الله- سبحانه- قبل الوقوع في تلك المزالق أو اللجاج فيها على مدار الطريق! إن هذا القرآن ينبغي أن يقرأ وأن يتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعي. وينبغي أن يتدبر على أنه توجيهات حية، تتنزل اليوم، لتعالج مسائل اليوم، ولتنير الطريق إلى المستقبل. لا على أنه مجرد كلام جميل يرتل أو على أنه سجل لحقيقة مضت ولن تعود! ولن ننتفع بهذا القرآن حتى نقرأه لنلتمس عنده توجيهات حياتنا الواقعة في يومنا وفي غدنا كما كانت الجماعة المسلمة الأولى تتلقاه لتلتمس عنده التوجيه الحاضر في شؤون حياتها الواقعة.. وحين نقرأ القرآن بهذا الوعي سنجد عنده ما نريد. وسنجد فيه عجائب لا تخطر على البال الساهي! سنجد كلماته وعباراته وتوجيهاته حية تنبض وتتحرك وتشير إلى معالم الطريق وتقول لنا: هذا فافعلوه وهذا لا تفعلوه. وتقول لنا: هذا عدولكم وهذا صديق. وتقول لنا: كذا فاتخذوا من الحيطة وكذا فاتخذوا من العدة. وتقول لنا حديثاً طويلاً مفصلاً دقيقاً في كل ما يعرض لنا من الشؤون.. وسنجد عندئذ في القرآن متاعاً وحياة وسندرك معنى قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» .. فهي دعوة للحياة..
للحياة الدائمة المتجددة. لا لحياة تاريخية محدودة في صفحة عابرة من صفحات التاريخ.
هذا الدرس يعرض تجربتين من تجارب الأمم يضمهما إلى ذخيرة هذه الأمة من التجارب ويعد بهما الجماعة المسلمة لما هي معرضة له في حياتها من المواقف بسبب قيامها بدورها الكبير، بوصفها وارثة العقيدة الإيمانية، ووارثة التجارب في هذا الحقل الخصيب.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 261
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست