نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 275
بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا الجزء الثالث مؤلف من شطرين: الشطر الأول تتمة سورة البقرة التي استغرقت الجزءين الأولين.
والشطر الثاني أوائل سورة آل عمران.. وسنتحدث هنا- إجمالا- عن الشطر الأول. أما الشطر الثاني فسيجيء الحديث عنه عند استعراض سورة آل عمران إن شاء الله.
وهذه البقية الباقية من سورة البقرة هي استطراد في موضوعها الرئيسي الذي شرحناه في مطلع الجزء الأول، والذي ظللنا نطالعه في سياق السورة حتى نهاية الجزء الثاني. وهو إعداد الجماعة المسلمة في المدينة لتنهض بتكاليف الأمة المسلمة.. تنهض بها وقد تهيأت لهذه الأمانة الضخمة بالتصور الإيماني الصحيح وزودت بتجارب الأمة المؤمنة على مدار الرسالات السابقة وعرفت زاد الطريق كما عرفت مزالق الطريق وحذرت كيد أعدائها.. أعداء الله وأعداء الحق وأعداء الإيمان.. لتكون منهم على بينة في كل مراحل الطريق.
وهذا الإعداد بكل وسائله، وبكل زاده وتجاربه، وبكل أهدافه وغاياته.. هو هو الذي يعالج به القرآن الكريم أجيال الجماعة المسلمة على مدار الزمان بعد الجيل الأول. فهو المنهج الثابت الواضح المستقر لإنشاء الجماعة المسلمة، ولقيادة الحركة الإسلامية في كل جيل. والقرآن من ثم أداة حية متحركة فاعلة، ودستور شامل عامل في كل وقت بل هو قيادة راشدة لمن يطلب عندها الرشد والهدى والنصيحة في كل موقف وفي كل خطوة وفي كل جيل.
هذه البقية تأتي بعد قول الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم- في نهاية الجزء الثاني من السورة: «تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ. وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» .. وذلك تعقيبا على قصة الملأ «مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ: ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .. والتي جاء في نهايتها: «وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ، وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ. وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ» .. فنهاية الجزء الثاني كانت حديثا عن قوم موسى، وكانت حديثا عن داود- عليهما السلام- وكانت كذلك إشارة إلى رسالة النبي- صلى الله عليه وسلم- وإلى تزويده بتجارب «الْمُرْسَلِينَ» .
ومن ثم يبدأ الجزء الثالث بعد هذا حديثا ملتحما بما قبله عن الرسل، وتفضيل الله بعضهم على بعض، وخصائص بعضهم، ورفع بعضهم درجات.. وحديثا عن اختلاف من جاء بعدهم من أتباعهم، وقتال بعضهم لبعض: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ. وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ. وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ. وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا، وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ» ..
ومناسبة هذا الاستطراد واضحة في الحديث عن الرسل بين أواخر الجزء الثاني وأوائل هذا الجزء الثالث..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 275