responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 280
كلماتهم بما يجدونه منه في أعماق الضمير! ويوماً بعد يوم تكشفت للمعرفة الإنسانية الخارجية ظواهر تشير من بعيد إلى قانون الوحدة في هذا الوجود.
واطلع العلماء من البشر على ظاهرة وحدة التكوين ووحدة الحركة في هذا الكون العريض. وتكشف- في حدود ما يملك الإنسان أن يعلم- أن الذرة هي أساس البناء الكوني كله، وأن الذرة طاقة.. فالتقت المادة بالقوة في هذا الكون ممثلة في الذرة. وانتفت الثنائية التي تراءت طويلاً. وإذا المادة- وهي مجموعة من الذرات- هي طاقة حين تتحطم هذه الذرات، فتتحول إلى طاقة من الطاقات! .. وتكشف كذلك- في حدود ما يملك الإنسان أن يعلم- أن الذرة في حركة مستمرة من داخلها. وإنها مؤلفة من إلكترونات- أو كهارب- تدور في فلك حول النواة أو النويات وهي قلب الذرة. وأن هذه الحركة مستمرة ومطردة في كل ذرة. وأن كل ذرة- كما قال فريد الدين العطار- شمس تدور حولها كواكب كشمسنا هذه وكواكبها التي ما تني تدور حولها باستمرار! وحدة التكوين ووحدة الحركة في هذا الكون هما الظاهرتان اللتان اهتدى اليهما الإنسان.. وهما إشارتان من بعيد إلى قانون الوحدة الشامل الكبير. وقد بلغت اليهما المعرفة البشرية بمقدار ما تطيق الملاحظة والتجربة البشرية أن تبلغ.. أما الطبائع الخاصة الموهوبة، فقد أدركت القانون الشامل الكبير كله في لمحة لأنها تتلقى إيقاعه المباشر، وتطيق وحدها تلقيه.
إنهم لم يجمعوا الشواهد والظواهر على تلك الوحدة عن طريق التجارب العلمية. ولكن لأنهم وهبوا جهاز استقبال كاملاً مباشراً، استقبلوا إيقاع الناموس الواحد استقبالا داخلياً مباشراً فأدركوا إدراكاً مباشراً أن الإيقاع الواحد لا بد منبعث عن ناموس واحد، صادر من مصدر واحد. وكان هذا الجهاز اللدني في تلك الطبائع الخاصة الموهوبة أدق وأشمل وأكمل، لأنه أدرك في لمسة واحدة ما وراء وحدة الإيقاع من وحدة المصدر، ووحدة الإرادة والفاعلية في هذا الوجود. فقرر- في إيمان- وحدة الذات الإلهية المصرفة لهذا الوجود.
وما أسوق هذا الكلام لأن العلم الحديث يرى أنه قد أدرك ظاهرة أو ظاهرتين من ظواهر الوحدة الكونية.
فالعلم يثبت أو ينفي في ميدانه. وكل ما يصل إليه من «الحقائق» نسبي جزئي مقيد فهو لا يملك أن يصل أبداً إلى حقيقة واحدة نهائية مطلقة. فضلاً على أن نظريات العلم قُلَّب، يكذب بعضها بعضاً، ويعدِّل بعضها بعضاً.
وما ذكرت شيئاً عن وحدة التكوين ووحدة الحركة لأقرن اليهما صدق الاستقبال لوحدة الناموس في حس الرسل.. كلا.. إنما قصدت إلى أمر آخر. قصدت إلى تحديد مصدر التلقي المعتمد لتكوين التصور الصادق الكامل الشامل لحقيقة الوجود.
إن الكشف العلمي ربما يكون قد اهتدى إلى بعض الظواهر الكونية المتعلقة بحقيقة الوحدة الكبرى.. هذه الوحدة التي لمست حس الرسل من قبل في محيطها الواسع الشامل المباشر. والتي أدركتها الفطرة اللدنية إدراكاً كاملاً شاملاً مباشراً. وهذه الفطرة صادقة بذاتها- سواء اهتدت نظريات العلم الحديث إلى بعض الظواهر أو لم تهتد- فنظريات العلم موضع بحث ومراجعة من العلم ذاته. وهي ليست ثابتة أولاً. ثم إنها ليست نهائية ولا مطلقة أخيراً. فلا تصلح إذن أن تقاس بها صحة الرسالة. فالمقياس لا بد أن يكون ثابتاً وأن يكون مطلقاً.
ومن هنا تكون الرسالة هي المقياس الثابت المطلق الوحيد.
وينشأ عن هذه الحقيقة حقيقة أخرى ذات أهمية قصوى..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 280
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست