responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 31
كذلك كانت هناك طائفة المنافقين. ووجود هذه الطائفة نشأ مباشرة من الأوضاع التي أنشأتها الهجرة النبوية إلى المدينة في ظروفها التي تمت فيها، والتي أشرنا إليها من قبل ولم يكن لها وجود بمكة. فالإسلام في مكة لم تكن له دولة ولم تكن له قوة، بل لم تكن له عصبة يخشاها أهل مكة فينافقونها. على الضد من ذلك كان الإسلام مضطهدا، وكانت الدعوة مطاردة، وكان الذين يغامرون بالانضمام إلى الصف الإسلامي هم المخلصون في عقيدتهم، الذين يؤثرونها على كل شيء ويحتملون في سبيلها كل شيء. فأما في يثرب التي أصبحت منذ اليوم تعرف باسم المدينة- أي مدينة الرسول- فقد أصبح الإسلام قوة يحسب حسابها كل أحد ويضطر لمضانعتها كثيرا أو قليلا- وبخاصة بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين فيها انتصارا عظيما- وفي مقدمة من كان مضطرا لمصانعتها نفر من الكبراء، دخل أهلهم وشيعتهم في الإسلام وأصبحوا هم ولا بد لهم لكي يحتفظوا بمقامهم الموروث بينهم وبمصالحهم كذلك أن يتظاهروا باعتناق الدين الذي اعتنقه أهلهم وأشياعهم.
ومن هؤلاء عبد الله بن أبي بن سلول الذي كان قومه ينظمون له الخرز ليتوجوه ملكا عليهم قبيل مقدم الإسلام على المدينة..
وسنجد في أول السورة وصفا مطولا لهؤلاء المنافقين، ندرك من بعض فقراته أن المعنيّ بهم في الغالب هم أولئك الكبراء الذين أرغموا على التظاهر بالإسلام، ولم ينسوا بعد ترفعهم على جماهير الناس، وتسمية هذه الجماهير بالسفهاء على طريقة العلية المتكبرين!: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ. وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا: آمَنَّا، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ، وَما كانُوا مُهْتَدِينَ. مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارا فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ. أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ، يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ. يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..
وفي ثنايا هذه الحملة على المنافقين- الذين في قلوبهم مرض- نجد إشارة إلى «شَياطِينِهِمْ» . والظاهر من سياق السورة ومن سياق الأحداث في السيرة أنها تعني اليهود، الذين تضمنت السورة حملات شديدة عليهم فيما بعد. أما قصتهم مع الدعوة فنلخصها في هذه السطور القليلة:
لقد كان اليهود هم أول من اصطدم بالدعوة في المدينة وكان لهذا الاصطدام أسبابه الكثيرة.. كان لليهود في يثرب مركز ممتاز بسبب أنهم أهل كتاب بين الأميين من العرب- الأوس والخزرج- ومع أن مشركي العرب لم يظهروا ميلا لاعتناق ديانة أهل الكتاب هؤلاء، إلا أنهم كانوا يعدونهم أعلم منهم وأحكم بسبب ما لديهم من كتاب. ثم كان هنالك ظرف موات لليهود فيما بين الأوس والخزرج من فرقة وخصام- وهي البيئة التي يجد اليهود دائما لهم فيها عملا! - فلما أن جاء الإسلام سلبهم هذه المزايا جميعا.. فلقد جاء بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه. ثم إنه أزال الفرقة التي كانوا ينفذون من خلالها للدس والكيد وجر المغانم، ووحد الصف الإسلامي الذي ضم الأوس والخزرج، وقد أصبحوا منذ اليوم

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 31
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست