نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 329
وقد بهتت صورة «الزكاة» في حسنا وحس الأجيال التعيسة من الأمة الإسلامية التي لم تشهد نظام الإسلام مطبقاً في عالم الواقع ولم تشهد هذا النظام يقوم على أساس التصور الإيماني والتربية الإيمانية والأخلاق الإيمانية، فيصوغ النفس البشرية صياغة خاصة، ثم يقيم لها النظام الذي تتنفس فيه تصوراتها الصحيحة وأخلاقها النظيفة وفضائلها العالية. ويجعل «الزكاة» قاعدة هذا النظام، في مقابل نظام الجاهلية الذي يقوم على القاعدة الربوية.
ويجعل الحياة تنمو والاقتصاد يرتقي عن طريق الجهد الفردي، أو التعاون البريء من الربا! بهتت هذه الصورة في حس هذه الأجيال التعيسة المنكودة الحظ التي لم تشهد تلك الصورة الرفيعة من صور الإنسانية. إنما ولدت وعاشت في غمرة النظام المادي، القائم على الأساس الربوي. وشهدت الكزازة والشح، والتكالب والتطاحن، والفردية الأثرة التي تحكم ضمائر الناس. فتجعل المال لا ينتقل إلى من يحتاجون إليه إلا في الصورة الربوية الخسيسة! وجعلت الناس يعيشون بلا ضمانات، ما لم يكن لهم رصيد من المال أو يكونوا قد اشتركوا بجزء من مالهم في مؤسسات التأمين الربوية! وجعلت التجارة والصناعة لا تجد المال الذي تقوم به، ما لم تحصل عليه بالطريقة الربوية! فوقر في حس هذه الأجيال المنكودة الطالع أنه ليس هناك نظام إلا هذا النظام وأن الحياة لا تقوم إلا على هذا الأساس! بهتت صورة الزكاة حتى أصبحت هذه الأجيال تحسبها إحساناً فردياً هزيلاً، لا ينهض على أساسه نظام عصري! ولكن كم تكون ضخامة حصيلة الزكاة، وهي تتناول اثنين ونصفاً في المائة من أصل رؤوس الأموال الأهلية مع ربحها [1] ؟ يؤديها الناس الذين يصنعهم الإسلام صناعة خاصة، ويربيهم تربية خاصة، بالتوجيهات والتشريعات، وبنظام الحياة الخاص الذي يرتفع تصوره على ضمائر الذين لم يعيشوا فيه! وتحصلها الدولة المسلمة، حقاً مفروضاً، لا إحساناً فردياً. وتكفل بها كل من تقصر به وسائله الخاصة من الجماعة المسلمة حيث يشعر كل فرد أن حياته وحياة أولاده مكفولة في كل حالة وحيث يقضي عن الغارم المدين دينه سواء كان ديناً تجارياً أو غير تجاري، من حصيلة الزكاة.
وليس المهم هو شكلية النظام. إنما المهم هو روحه. فالمجتمع الذي يربيه الإسلام بتوجيهاته وتشريعاته ونظامه، متناسق مع شكل النظام وإجراءاته، متكامل مع التشريعات والتوجيهات، ينبع التكافل من ضمائره ومن تنظيماته معاً متناسقة متكاملة. وهذه حقيقة قد لا يتصورها الذين نشأوا وعاشوا في ظل الأنظمة المادية الأخرى. ولكنها حقيقة نعرفها نحن- أهل الإسلام- ونتذوقها بذوقنا الإيماني. فإذا كانوا هم محرومين من هذا الذوق لسوء طالعهم ونكد حظهم- وحظ البشرية التي صارت إليهم مقاليدها وقيادتها- فليكن هذا نصيبهم! وليحرموا من هذا الخير الذي يبشر الله به: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ» .. ليحرموا من الطمأنينة والرضى، فوق حرمانهم من الأجر والثواب. فإنما بجهالتهم وجاهليتهم وضلالهم وعنادهم يحرمون! إن الله- سبحانه- يعد الذين يقيمون حياتهم على الإيمان والصلاح والعبادة والتعاون، أن يحتفظ لهم بأجرهم عنده. ويعدهم بالأمن فلا يخافون. وبالسعادة فلا يحزنون:
«فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» ..
في الوقت الذي يوعد أكلة الربا والمجتمع الربوي بالمحق والسحق، وبالتخبط والضلال، وبالقلق والخوف. [1] ترتفع هذه النسبة إلى 5 وإلى 10 وإلى 20 في الزروع والكنوز.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 329