نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 336
بذلك على أمومتها وأنوثتها وواجبها في رعاية أثمن الأرصدة الإنسانية وهي الطفولة الناشئة الممثلة لجيل المستقبل، في مقابل لقيمات أو دريهمات تنالها من العمل، كما تضطر إلى ذلك المرأة في المجتمع النكد المنحرف الذي نعيش فيه اليوم! فأما حين لا يوجد رجلان فليكن رجل واحد وامرأتان.. ولكن لماذا امرأتان؟ إن النص لا يدعنا نحدس! ففي مجال التشريع يكون كل نص محدداً واضحاً معللاً: «أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» .. والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة. فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى بالتعاون معاً على تذكر ملابسات الموضوع كله. وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية. فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلا نفسياً في المرأة حتماً. تستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء..
وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة.. وهذه الطبيعة لا تتجزأ، فالمرأة شخصية موحدة هذا طابعها- حين تكون امرأة سوية- بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثر ولا إيحاء. ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى- إذا انحرفت مع أي انفعال- فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة.
وكما وجه الخطاب في أول النص إلى الكتاب ألا يأبوا الكتابة، يوجهه هنا إلى الشهداء ألا يأبوا الشهادة:
«وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» .
فتلبية الدعوة للشهادة إذن فريضة وليست تطوعاً. فهي وسيلة لإقامة العدل وإحقاق الحق. والله هو الذي يفرضها كي يلبيها الشهداء عن طواعية تلبية وجدانية، بدون تضرر أو تلكؤ. وبدون تفضل كذلك على المتعاقدين أو على أحدهما، إذا كانت الدعوة من كليهما أو من أحدهما.
وهنا ينتهي الكلام عن الشهادة، فينتقل الشارع إلى غرض آخر. غرض عام للتشريع. يؤكد ضرورة الكتابة- كبر الدين أم صغر- ويعالج ما قد يخطر للنفس من استثقال الكتابة وتكاليفها بحجة أن الدين صغير لا يستحق، أو أنه لا ضرورة للكتابة بين صاحبيه لملابسة من الملابسات كالتجمل والحياء أو الكسل وقلة المبالاة! ثم يعلل تشديده في وجوب الكتابة تعليلا وجدانيا وتعليلا عمليا:
«وَلا تَسْئَمُوا- أَنْ تَكْتُبُوهُ- صَغِيراً أَوْ كَبِيراً- إِلى أَجَلِهِ. ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ، وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا» .
لا تسأموا.. فهو إدراك لانفعالات النفس الإنسانية حين تحس أن تكاليف العمل أضخم من قيمته.. «ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» .. أعدل وأفضل. وهو إيحاء وجداني بأن الله يحب هذا ويؤثره. «وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ» .
فالشهادة على شيء مكتوب أقوم من الشهادة الشفوية التي تعتمد على الذاكرة وحدها. وشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أقوم كذلك للشهادة وأصح من شهادة الواحد، أو الواحد والواحدة. «وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا» :
أقرب لعدم الريبة. الريبة في صحة البيانات التي تضمنها العقد، أو الريبة في أنفسكم وفي سواكم إذا ترك الأمر بلا قيد.
وهكذا تتكشف حكمة هذه الإجراءات كلها ويقتنع المتعاملون بضرورة هذا التشريع، ودقة أهدافه، وصحة إجراءاته. إنها الصحة والدقة والثقة والطمأنينة.
ذلك شأن الدين المسمى إلى أجل. أما التجارة الحاضرة فإن بيوعها مستثناة من قيد الكتابة. وتكفي فيها
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 336