نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 368
نزل هذا القرآن- عليك- كما أنه أنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى من قبل. وإذن فلا اختلاط ولا امتزاج بين الألوهية والعبودية. إنما هناك إله واحد ينزل الكتب على المختارين من عباده. وهناك عبيد يتلقون. وهم عبيد لله ولو كانوا أنبياء مرسلين.
4- وهي تقرر وحدة الدين ووحدة الحق الذي تتضمنه الكتب المنزلة من عند الله. فهذا الكتاب نزله- عليك- «بِالْحَقِّ» .. «مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ» .. من التوراة والإنجيل.. وكلها تستهدف غاية واحدة: «هُدىً لِلنَّاسِ» ..
وهذا الكتاب الجديد «فرقان» بين الحق الذي تضمنته الكتب المنزلة، والانحرافات والشبهات التي لحقت بها بفعل الأهواء والتيارات الفكرية والسياسية (التي رأينا نموذجاً منها فيما نقلناه عن الكاتب المسيحي سيرت.
و. آرنولد في كتاب «الدعوة إلى الإسلام» ) .
وهي تقرر- ضمناً- أنه لا وجه لتكذيب أهل الكتاب للرسالة الجديدة. فهي سائرة على نمط الرسالات قبلها. وكتابها نزل بالحق كالكتب المنزلة. ونزل على رسول من البشر كما نزلت الكتب على رسل من البشر.
وهو مصدق لما بين يديه من كتب الله، يضم جناحيه على «الحق» الذي تضم جوانحها عليه. وقد نزله من يملك تنزيل الكتب.. فهو منزل من الجهة التي لها «الحق» في وضع منهاج الحياة للبشر، وبناء تصوراتهم الاعتقادية، وشرائعهم وأخلاقهم وآدابهم في الكتاب الذي ينزله على رسوله.
ثم تتضمن الآية في شطرها الثاني التهديد الرعيب للذين كفروا بآيات الله، وتلوح لهم بعزة الله وقوته وشدة عذابه وانتقامه.. والذين كفروا بآيات الله هم الذين كذبوا بهذا الدين الواحد بإطلاقه.. وأهل الكتاب الذين انحرفوا عن كتاب الله الصحيح المنزل إليهم من قبل، فقادهم هذا الانحراف إلى التكذيب بالكتاب الجديد- وهو فرقان واضح مبين- هم أول المعنيين هنا بصفة الكفر، وهم أول من يتوجه إليهم التهديد الرعيب بعذاب الله الشديد وانتقامه الأكيد..
5- وفي صدد التهديد بالعذاب والانتقام يؤكد لهم علم الله الذي لا يند عنه شيء. فلا خفاء عليه ولا إفلات منه:
«إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ» ..
وتوكيد العلم المطلق الذي لا يخفى عليه شيء، وإثبات هذه الصفة لله- سبحانه- في هذا المقام.. هذا التوكيد يتفق أولاً مع وحدانية الألوهية والقوامة التي افتتح بها السياق. كما يتفق مع التهديد الرعيب في الآية السابقة.. فلن يفلت «شيء» من علم الله «فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ» بهذا الشمول والإطلاق. ولن يمكن إذن ستر النوايا عليه، ولا إخفاء الكيد عنه. ولن يمكن كذلك التفلت من الجزاء الدقيق، ولا التهرب من العلم اللطيف العميق.
6- وفي ظلال العلم اللطيف الشامل الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يلمس المشاعر الإنسانية لمسة رفيقة عميقة، تتعلق بالنشأة الإنسانية. النشأة المجهولة في ظلام الغيب وظلام الأرحام، حيث لا علم للإنسان ولا قدرة ولا إدراك:
«هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ....
هكذا «يُصَوِّرُكُمْ» .. يمنحكم الصورة التي يشاء ويمنحكم الخصائص المميزة لهذه الصورة. وهو وحده
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 368