نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 375
إليه شهوة الملك، كان الحرث والأنعام شهوة.
وهذه الشهوات التي ذكرت هنا هي نموذج لشهوات النفوس، يمثل شهوات البيئة التي كانت مخاطبة بهذا القرآن ومنها ما هو شهوة كل نفس على مدار الزمان. والقرآن يعرضها ثم يقرر قيمتها الحقيقية، لتبقى في مكانها هذا لا تتعداه، ولا تطغى على ما سواه:
«ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا» ..
ذلك كله الذي عرضه من اللذائذ المحببة- وسائر ما يماثله من اللذائذ والشهوات- متاع الحياة الدنيا. لا الحياة الرفيعة. ولا الآفاق البعيدة.. متاع هذه الأرض القريب.. 15- فأما من أراد الذي هو خير.. خير من ذلك كله. خير لأنه أرفع في ذاته. وخير لأنه يرفع النفس ويصونها من الاستغراق في الشهوات، والانكباب على الأرض دون التطلع إلى السماء.. من أراد الذي هو خير فعند الله من المتاع ما هو خير. وفيه عوض كذلك عن تلك الشهوات:
«قُلْ: أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ؟ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ- خالِدِينَ فِيها- وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ، وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ» ..
وهذا المتاع الأخروي الذي تذكره الآية هنا، ويؤمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن يبشر به المتقين، هو نعيم حسي في عمومه.. ولكن هنالك فارقاً أساسياً بينه وبين متاع الدنيا.. إنه متاع لا يناله إلا الذين اتقوا.
الذين كان خوف الله وذكره في قلوبهم. وشعور التقوى شعور مهذب للروح والحس جميعاً. شعور ضابط للنفس أن تستغرقها الشهوات، وأن تنساق فيها كالبهيمة. فالذين اتقوا ربهم حين يتطلعون إلى هذا المتاع الحسي الذي يبشرون به يتطلعون إليه في شفافية مبرأة من غلظة الحس! وفي حساسية مبرأة من بهيمية الشهوة! ويرتفعون بالتطلع إليه- وهم في هذه الأرض- قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى قرب الله..
وفي هذا المتاع النظيف العفيف عوض كامل عن متاع الدنيا.. وفيه زيادة..
فإذا كان متاعهم في الدنيا حرثاً مُعطياً مخصباً، ففي الآخرة جنات كاملة تجري من تحتها الأنهار. وهي فوق هذا خالدة وهم خالدون فيها، لا كالحرث المحدود الميقات! وإذا كان متاعهم في الدنيا نساء وبنين، ففي الآخرة أزواج مطهرة. وفي طهارتها فضل وارتفاع على شهوات الأرض في الحياة! فأما الخيل المسومة والأنعام. وأما القناطير المقنطرة من الذهب والفضة. فقد كانت في الدنيا وسائل لتحقيق متاع. فأما في نعيم الآخرة فلا حاجة إلى الوسائل لبلوغ الغايات! ثم.. هنالك ما هو أكبر من كل متاع.. هنالك «رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ» . رضوان يعدل الحياة الدنيا والحياة الأخرى كليهما.. ويرجح.. رضوان. بكل ما في لفظه من نداوة. وبكل ما في ظله من حنان.
«وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ» ..
بصير بحقيقة فطرتهم وما ركب فيها من ميول ونوازع. بصير بما يصلح لهذه الفطرة من توجيهات وإيحاءات.
بصير بتصريفها في الحياة وما بعد الحياة.
ثم وصف لهؤلاء العباد، يصور حال المتقين مع ربهم، الحال التي استحقوا عليها هذا الرضوان:
«الَّذِينَ يَقُولُونَ: رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا، فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وَقِنا عَذابَ النَّارِ. الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ. وَالْقانِتِينَ.»
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 375