نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 378
ويختم الدرس بكلمة حاسمة قاطعة: إن الإسلام هو طاعة الله والرسول. وإن الطريق إلى الله هو طريق الاتباع للرسول. وليس مجرد الاعتقاد بالقلب، ولا الشهادة باللسان: «قُلْ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ... » «قُلْ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ» .. فإما طاعة واتباع يحبه الله، وإما كفر يكرهه الله.. وهذا هو مفرق الطريق الواضح المبين..
فلنأخذ في التفصيل بعد هذا الإجمال..
18- «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ- وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ- قائِماً بِالْقِسْطِ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..
هذه هي الحقيقة الأولى التي يقوم عليها التصور الاعتقادي في الإسلام. حقيقة التوحيد: توحيد الألوهية، وتوحيد القوامة.. القوامة بالقسط.. وهي الحقيقة التي بدأت بها السورة: «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» ..
وهي تستهدف إقرار حقيقة العقيدة الإسلامية من جهة، وجلاء الشبهات التي يلقيها أهل الكتاب من جهة. جلاءها عن أهل الكتاب أنفسهم، وجلاءها عن المسلمين الذين قد تؤثر هذه الشبهات في عقيدتهم.
وشهادة الله- سبحانه- أنه لا إله إلا هو.. هي حسب كل من يؤمن بالله.. وقد يقال: إنه لا يكتفي بشهادة الله إلا من يؤمن بالله. وأن من يؤمن بالله ليس في حاجة إلى هذه الشهادة.. ولكن واقع الأمر أن أهل الكتاب كانوا يؤمنون بالله ولكنهم في نفس الوقت يجعلون له ابناً وشريكاً. بل إن المشركين أنفسهم كانوا يؤمنون بالله، ولكن الضلال كان يجيئهم من ناحية الشركاء والأنداد والأبناء والبنات! فإذا قرر لهؤلاء وهؤلاء أن الله- سبحانه- شهد أنه لا إله إلا هو، فهذا مؤثر قوي في تصحيح تصوراتهم.
على أن الأمر- كما يبدو من متابعة السياق كما تابعناه فيما تقدم- أعمق من هذا وأدق. فإن شهادة الله 19- سبحانه- بأنه لا إله إلا هو، مسوقة هنا ليساق بعدها ما هو من مستلزماتها وهو أنه لا يقبل إذن من العباد إلا العبودية الخالصة له. الممثلة في الإسلام بمعنى الاستسلام- لا اعتقاداً وشعوراً فحسب- ولكن كذلك عملاً وطاعة واتباعاً للمنهج العملي الواقعي المتمثل في أحكام الكتاب.. ومن هذه الناحية نجد كثيرين في كل زمان يقولون: إنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يشركون معه غيره في الألوهية، حين يتحاكمون إلى شريعة من صنع غيره، وحين يطيعون من لا يتبع رسوله وكتابه وحين يتلقون التصورات والقيم والموازين والأخلاق والآداب من غيره.. فهذه كلها تناقض القول بأنهم يؤمنون بالله. ولا تستقيم مع شهادة الله- سبحانه- بأنه لا إله إلا هو.
وأما شهادة الملائكة وشهادة أولي العلم، فهي متمثلة في طاعتهم لأوامر الله وحدها. والتلقي عن الله وحده، والتسليم بكل ما يجيئهم من عنده بدون تشكك ولا جدال، متى ثبت لهم أنها من عنده. وقد سبق في السورة بيان حال أولي العلم هؤلاء في قوله: «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ، كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا» .. فهذه شهادة أولي العلم وشهادة الملائكة: تصديق. وطاعة. واتباع. واستسلام.
وشهادة الله سبحانه وشهادة الملائكة وأولي العلم بوحدانية الله يصاحبها شهادتهم بأنه- تعالى- قائم بالقسط.
بوصفها حالة ملازمة للألوهية.
«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ- وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ- قائِماً بِالْقِسْطِ» ..
فهي حالة ملازمة للألوهية كما تفيد صياغة العبارة. وهذا إيضاح للقوامة التي وردت في مطلع السورة:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 378