نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 390
شك أن للقصص طريقته الخاصة في عرض الحقائق، وإدخالها إلى القلوب، في صورة حية، عميقة الإيقاع، بتمثيل هذه الحقائق في صورتها الواقعية وهي تجري في الحياة البشرية. وهذا أوقع في النفس من مجرد عرض الحقائق عرضاً تجريدياً.
وهنا نجد هذا القصص يتناول ذات الحقائق التي يركز عليها سياق السورة، وتظهر فيها ذات الخطوط العريضة فيها. ومن ثم يتجرد هذا القصص من الملابسة الواقعة المحدودة التي ورد فيها ويبقى عنصراً أصيلاً مستقلاً يتضمن الحقائق الأصيلة الباقية في التصور الاعتقادي الإسلامي.
إن القضية الأصيلة التي يركز عليها سياق السورة كما قدمنا هي: قضية التوحيد. توحيد الألوهية وتوحيد القوامة.. وقصة عيسى- وما جاء من القصص مكملاً لها في هذا الدرس- تؤكد هذه الحقيقة، وتنفي فكرة الولد والشريك، وتستبعدهما استبعاداً كاملاً وتظهر زيف هذه الشبهة وسخف تصورها وتبسط مولد مريم وتاريخها، ومولد عيسى وتاريخ بعثته وأحداثها، بطريقة لا تدع مجالاً لإثارة أية شبهة في بشريته الكاملة، وأنه واحد من سلالة الرسل، شأنه شأنهم، وطبيعته طبيعتهم، وتفسر الخوارق التي صاحبت مولده وسيرته تفسيراً لا تعقيد فيه ولا غموض، من شأنه أن يريح القلب والعقل، ويدع الأمر فيهما طبيعياً عادياً لا غرابة فيه.. حتى إذا عقب على القصة بقوله: «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ: كُنْ. فَيَكُونُ» .. وجد القلب برد اليقين والراحة وعجب كيف ثارت تلك الشبهات حول هذه الحقيقة البسيطة؟
والقضية الثانية التي تنشأ من القضية الأولى في سياق السورة كله هي قضية حقيقة الدين وأنه الإسلام. ومعنى الإسلام وأنه الاتباع والاستسلام.. وهذه ترد كذلك في ثنايا القصص واضحة.. ترد في قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل: «وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» .. وفي هذا القول تقرير لطبيعة الرسالة، وأنها تأتي لإقرار منهج، وتنفيذ نظام، وبيان الحلال والحرام، ليتبعه المؤمنون بهذه الرسالة ويسلموا به.. ثم يرد معنى الاستسلام والاتباع على لسان الحواريين: «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، آمَنَّا بِاللَّهِ، وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» ..
ومن الموضوعات التي يركز عليها سياق السورة تصوير حال المؤمنين مع ربهم.. وهذا القصص يعرض جملة صالحة من هذه الحال في سير هذه النخبة المختارة من البشر، التي اصطفاها وجعلها ذرية بعضها من بعض. وتتمثل هذه الصور الوضيئة في حديث امرأة عمران مع ربها ومناجاته في شأن وليدتها.. وفي حديث مريم مع زكريا. وفي دعاء زكريا ونجائه لربه. وفي رد الحواريين على نبيهم، ودعائهم لربهم.. وهكذا..
حتى إذا انتهى القصص جاء التعقيب متضمناً وملخصاً هذه الحقائق، معتمداً على وقائع القصص في تقرير الحقائق التي يقررها.. فيتناول حقيقة عيسى- عليه السلام- وطبيعة الخلق والإرادة الإلهية. والوحدانية الخالصة.
ودعوة أهل الكتاب إليها. ودعوتهم إلى المباهلة عليها.. وينتهي الدرس ببيان جامع شامل لأصل هذه الحقيقة ليتوجه به النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أهل الكتاب عامة.. من حضر منهم المناظرة ومن لم يحضر، ومن كان من ذلك الجيل ومن يجيء بعده إلى آخر الزمان قل: «يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 390