responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 392
35- ومن هذا الإعلان التمهيدي ينتقل السياق مباشرة إلى آل عمران ومولد مريم:
«إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ: رَبِّ: إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ- وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى، وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً، وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا. كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ» ..
وقصة النذر تكشف لنا عن قلب «امْرَأَتُ عِمْرانَ» - أم مريم- وما يعمره من إيمان، ومن توجه إلى ربها بأعز ما تملك. وهو الجنين الذي تحمله في بطنها. خالصاً لربها، محرراً من كل قيد ومن كل شرك ومن كل حق لأحد غير الله سبحانه. والتعبير عن الخلوص المطلق بأنه تحرر تعبير موح. فما يتحرر حقاً إلا من يخلص لله كله، ويفر إلى الله بجملته وينجو من العبودية لكل أحد ولكل شيء ولكل قيمة، فلا تكون عبوديته إلا لله وحده.. فهذا هو التحرر إذن.. وما عداه عبودية وإن تراءت في صورة الحرية! ومن هنا يبدو التوحيد هو الصورة المثلى للتحرر. فما يتحرر إنسان وهو يدين لأحد غير الله بشيء ما في ذات نفسه، أو في ما جريات حياته، أو في الأوضاع والقيم والقوانين والشرائع التي تصرف هذه الحياة..
لا تحرر وفي قلب الإنسان تعلق أو تطلع أو عبودية لغير الله. وفي حياته شريعة أو قيم أو موازين مستمدة من غير الله. وحين جاء الإسلام بالتوحيد جاء بالصورة الوحيدة للتحرر في عالم الإنسان..
وهذا الدعاء الخاشع من امرأة عمران، بأن يتقبل ربها منها نذرها- وهو فلذة كبدها- ينم عن ذلك الإسلام الخالص لله، والتوجه إليه كلية، والتحرر من كل قيد، والتجرد إلا من ابتغاء قبوله ورضاه:
«رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي. إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ..
36- ولكنها وضعتها أنثى ولم تضعها ذكراً! «فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ- وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى. وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ. وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ» ..
لقد كانت تنتظر ولداً ذكراً فالنذر للمعابد لم يكن معروفاً إلا للصبيان، ليخدموا الهيكل، وينقطعوا للعبادة والتبتل. ولكن ها هي ذي تجدها أنثى. فتتوجه إلى ربها في نغمة أسيفة:
«رَبِّ. إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى» ..
«وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ» ..
ولكنها هي تتجه إلى ربها بما وجدت، وكأنها تعتذر إن لم يكن لها ولد ذكر ينهض بالمهمة.
«وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى» ..
ولا تنهض الأنثى بما ينهض به الذكر في هذا المجال: «وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ» ..
وهذا الحديث على هذا النحو فيه شكل المناجاة القريبة. مناجاة من يشعر أنه منفرد بربه. يحدثه بما في نفسه، وبما بين يديه، ويقدم له ما يملك تقديماً مباشراً لطيفاً. وهي الحال التي يكون فيها هؤلاء العباد المختارون مع ربهم. حال الود والقرب والمباشرة، والمناجاة البسيطة العبارة، التي لا تكلف فيها ولا تعقيد. مناجاة من

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 392
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست