responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 399
48- ثم يتابع الملك البشارة لمريم عن هذا الخلق الذي اختارها الله لإنجابه على غير مثال وكيف ستمضي سيرته في بني إسرائيل.. وهنا تمتزج البشارة لمريم بمقبل تاريخ المسيح، ويلتقيان في سياق واحد، كأنما يقعان اللحظة، على طريقة القرآن:
«وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ» ..
والكتاب قد يكون المراد به الكتابة وقد يكون هو التوراة والإنجيل، ويكون عطفهما على الكتاب هو عطف بيان. والحكمة حالة في النفس يتأتي معها وضع الأمور في مواضعها، وإدراك الصواب واتباعه. وهي خير كثير. والتوراة كانت كتاب عيسى كالإنجيل. فهي أساس الدين الذي جاء به. والإنجيل تكملة وإحياء لروح التوراة، ولروح الدين التي طمست في قلوب بني إسرائيل. وهذا ما يخطئ الكثيرون من المتحدثين عن المسيحية فيه فيغفلون التوراة، وهي قاعدة دين المسيح- عليه السلام- وفيها الشريعة التي يقوم عليها نظام المجتمع ولم يعدل فيها الإنجيل إلا القليل. أما الإنجيل فهو نفخة إحياء وتجديد لروح الدين، وتهذيب لضمير الإنسان بوصله مباشرة بالله من وراء النصوص. هذا الإحياء وهذا التهذيب اللذان جاء المسيح وجاهد لهما حتى مكروا به كما سيجيء.
49- «وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ. وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» ..
ويفيد هذا النص أن رسالة عيسى- عليه السلام- كانت لبني إسرائيل، فهو أحد أنبيائهم. ومن ثم كانت التوراة التي نزلت على موسى- عليه السلام- وفيها الشريعة المنظمة لحياة الجماعة الإسرائيلية، والمتضمنة لقوانين التعامل والتنظيم، هي كتاب عيسى كذلك، مضافاً إليها الإنجيل الذي يتضمن إحياء الروح وتهذيب القلب وإيقاظ الضمير.
والآية التي بشر الله أمه مريم أنها ستكون معه، والتي واجه بها بالفعل بني إسرائيل هي معجزة النفخ في الموات فيدخله سر الحياة، وإحياء الموتى من الناس، وإبراء المولود أعمى، وشفاء الأبرص، والإخبار بالغيب- بالنسبة له- وهو المدخر من الطعام وغيره في بيوت بني إسرائيل، وهو بعيد عن رؤيته بعينه..
وحرص النص على أن يذكر على لسان المسيح- عليه السلام- كما هو مقدر في غيب الله عند البشارة لمريم، وكما تحقق بعد ذلك على لسان عيسى- أن كل خارقة من هذه الخوارق التي جاءهم بها، إنما جاءهم بها من عند الله. وذكر إذن الله بعد كل واحدة منها تفصيلاً وتحديدا ولم يدع القول يتم ليذكر في نهايته إذن الله زيادة في الاحتياط! وهذه المعجزات في عمومها تتعلق بإنشاء الحياة أو ردها، أو رد العافية وهي فرع عن الحياة. ورؤية غيب بعيد عن مدى الرؤية.. وهي في صميمها تتسق مع مولد عيسى ومنحه الوجود والحياة على غير مثال إلا مثال آدم- عليه السلام- وإذا كان الله قادراً أن يجري هذه المعجزات على يد واحد من خلقه، فهو قادر على خلق ذلك الواحد من غير مثال.. ولا حاجة إذن لكل الشبهات والأساطير التي نشأت عن هذا المولد الخاص متى رُد الأمر إلى مشيئة الله الطليقة ولم يقيد الإنسانُ اللهَ- سبحانه- بمألوف الإنسان! 50- «وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ، وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ. وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ. هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 399
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست