responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 401
سواء في البلاد التي لا تزال تعتنق المسيحية- وهي خالية من النظام الاجتماعي لخلوها من التشريع- أو التي نفضت عنها المسيحية وهي في الحقيقة لم تبعد كثيراً عن الذين يدعون أنهم مسيحيون.. فالمسيحية كما جاء بها السيد المسيح، وكما هي طبيعة كل دين يستحق كلمة دين، هي الشريعة المنظمة للحياة، المنبثقة من التصور الاعتقادي في الله، ومن القيم الأخلاقية المستندة إلى هذا التصور.. وبدون هذا القوام الشامل المتكامل لا تكون مسيحية. ولا يكون دين على الإطلاق! وبدون هذا القوام الشامل المتكامل لا يقوم نظام اجتماعي للحياة البشرية يلبي حاجات النفس البشرية، ويلبي واقع الحياة البشرية، ويرفع النفس البشرية والحياة البشرية كلها إلى الله.
وهذه الحقيقة هي أحد المفاهيم التي يتضمنها قول المسيح عليه السلام:
«وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» .. إلخ..
51- وهو يستند في تبليغ هذه الحقيقة على الحقيقة الكبرى الأولى: حقيقة التوحيد الذي لا شبهة فيه:
«وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ. هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» ..
فهو يعلن حقيقة التصور الاعتقادي التي قام عليها دين الله كله: المعجزات التي جاءهم بها لم يجىء بها من عند نفسه. فما له قدرة عليها وهو بشر. إنما جاءهم بها من عند الله. ودعوته تقوم ابتداء على تقوى الله وطاعة رسوله.. ثم يؤكد ربوبية الله له ولهم على السواء- فما هو برب وإنما هو عبد- وأن يتوجهوا بالعبادة إلى الرب، فلا عبودية إلا لله.. ويختم قوله بالحقيقة الشاملة.. فتوحيد الرب وعبادته، وطاعة الرسول والنظام الذي جاء به: «هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» .. وما عداه عوج وانحراف. وما هو قطعاً بالدين..
52- ومن بشارة الملائكة لمريم بابنها المنتظر، وصفاته ورسالته ومعجزاته وكلماته، هذه التي ذكرت ملحقة بالبشارة.. ينتقل السياق مباشرة إلى إحساسه- عليه السلام- بالكفر من بني إسرائيل، وإلى طلبه الأنصار لإبلاغ دين الله:
«فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، آمَنَّا بِاللَّهِ، وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» .
وهنا فجوة كبيرة في السياق. فإنه لم يذكر أن عيسى قد ولد بالفعل ولا أن أمه واجهت به القوم فكلمهم في المهد ولا أنه دعا قومه وهو كهل ولا أنه عرض عليهم هذه المعجزات التي ذكرت في البشارة لأمه (كما جاء في سورة مريم) .. وهذه الفجوات ترد في القصص القرآني، لعدم التكرار في العرض من جهة، وللاقتصار على الحلقات والمشاهد المتعلقة بموضوع السورة وسياقها من جهة أخرى..
والأن لقد أحس عيسى الكفر من بني إسرائيل- بعد ما أراهم كل تلك المعجزات التي لا تتهيأ لبشر والتي تشهد بأن الله وراءها، وأن قوة الله تؤيدها، وتؤيد من جاءت على يده. ثم على الرغم من أن المسيح جاء ليخفف عن بني إسرائيل بعض القيود والتكاليف..
عندئذ دعا دعوته:
«قالَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ» ؟» ..
من أنصاري إلى دين الله ودعوته ومنهجه ونظامه؟ من أنصاري إلى الله لأبلغ إليه، وأودي عنه؟
ولا بد لكل صاحب عقيدة ودعوة من أنصار ينهضون معه، ويحملون دعوته، ويحامون دونها، ويلغونها

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 401
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست