responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 42
6- فأما الصورة الثانية فهي صورة الكافرين. وهي تمثل مقومات الكفر في كل أرض وفي كل حين:
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ، وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» ..
وهنا نجد التقابل تاماً بين صورة المتقين وصورة الكافرين.. فإذا كان الكتاب بذاته هدى للمتقين، فإن الإنذار وعدم الإنذار سواء بالقياس إلى الكافرين. إن النوافذ المفتوحة في أرواح المتقين، والوشائج التي تربطهم بالوجود وبخالق الوجود، وبالظاهر والباطن والغيب والحاضر.. إن هذه النوافذ المفتحة كلها هناك، مغلقة كلها هنا. وإن الوشائج الموصولة كلها هناك، مقطوعة كلها هنا:
7- «خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ» ختم عليها فلا تصل إليها حقيقة من الهدى ولا صدى.
«وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ» .. فلا نور يوصوص لها ولا هدى.! وقد طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وغشي على أبصارهم جزاء وفاقاً على استهتارهم بالإنذار، حتى تساوى لديهم الإنذار وعدم الإنذار.
إنها صورة صلدة، مظلمة، جامدة، ترتسم من خلال الحركة الثابتة الجازمة. حركة الختم على القلوب والأسماع، والتغشية على العيون والأبصار..
«وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» .. وهي النهاية الطبيعية للكفر العنيد، الذي لا يستجيب للنذير والذي يستوي عنده الإنذار وعدم الإنذار كما علم الله من طبعهم المطموس العنيد.
8- ثم ننتقل- مع السياق- إلى الصورة الثالثة. أو إلى النموذج الثالث:
إنها ليست في شفافية الصورة الأولى وسماحتها. وليست في عتامة الصورة الثانية وصفاقتها. ولكنها تتلوى في الحس. وتروغ من البصر، وتخفى وتبين.. إنها صورة المنافقين:
«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، قالُوا: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ، قالُوا: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ. وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا: آمَنَّا. وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا: إِنَّا مَعَكُمْ، إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى، فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ» ..
لقد كانت هذه صورة واقعة في المدينة ولكننا حين نتجاوز نطاق الزمان والمكان نجدها نموذجاً مكروراً في أجيال البشرية جميعاً. نجد هذا النوع من المنافقين من علية الناس الذين لا يجدون في أنفسهم الشجاعة ليواجهوا الحق بالإيمان الصريح، أو يجدون في نفوسهم الجرأة ليواجهوا الحق بالإنكار الصريح. وهم في الوقت ذاته يتخذون لأنفسهم مكان المترفع على جماهير الناس، وعلى تصورهم للأمور! ومن ثم نميل إلى مواجهة هذه النصوص كما لو كانت مطلقة من مناسبتها التاريخية، موجهة إلى هذا الفريق من المنافقين في كل جيل. وإلى صميم النفس الإنسانية الثابت في كل جيل.
إنهم يدّعون الإيمان بالله واليوم الآخر. وهم في الحقيقة ليسوا بمؤمنين. إنما هم منافقون لا يجرؤون على الإنكار والتصريح بحقيقة شعورهم في مواجهة المؤمنين.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست