responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 422
من الخوف والقلق والتناحر.. الانتفاع بها لا ليحترق بنار الكون، ولكن ليطبخ بها ويستدفئ ويستضيء! والفطرة البشرية في أصلها متناسقة مع ناموس الكون، مسلمة لربها إسلام كل شيء وكل حي. فحين يخرج الإنسان بنظام حياته عن ذلك الناموس لا يصطدم مع الكون فحسب، إنما يصطدم أولا بفطرته التي بين جنبيه، فيشقى ويتمزق، ويحتار ويقلق. ويحيا كما تحيا البشرية الضالة النكدة اليوم في عذاب من هذا الجانب- على الرغم من جميع الانتصارات العلمية، وجميع التسهيلات الحضارية المادية! إن البشرية اليوم تعاني من الخواء المرير. خواء الروح من الحقيقة التي لا تطيق فطرتها أن تصبر عليها..
حقيقة الإيمان.. وخواء حياتها من المنهج الإلهي. هذا المنهج الذي ينسق بين حركتها وحركة الكون الذي تعيش فيه.
إنها تعاني من الهجير المحرق الذي تعيش فيه بعيداً عن ذلك الظل الوارف الندي. ومن الفساد المقلق الذي تتمرغ فيه بعيدا عن ذلك الخط القويم والطريق المأنوس المطروق! ومن ثم تجد الشقاء والقلق والحيرة والاضطراب وتحس الخواء والجوع والحرمان وتهرب من واقعها هذا بالأفيون والحشيش والمسكرات وبالسرعة المجنونة والمغامرات الحمقاء، والشذوذ في الحركة واللبس والطعام! وذلك على الرغم من الرخاء المادي والإنتاج الوفير والحياة الميسورة والفراغ الكثير.. لا بل إن الخواء والقلق والحيرة لتتزايد كلما تزايد الرخاء المادي والإنتاج الحضاري واليسر في وسائل الحياة ومرافقها.
إن هذا الخواء المرير ليطارد البشرية كالشبح المخيف. يطاردها فتهرب منه. ولكنها تنتهي كذلك إلى الخواء المرير! وما من أحد يزور البلاد الغنية الثرية في الأرض حتى يكون الانطباع الأول في حسه أن هؤلاء قوم هاربون! هاربون من أشباح تطاردهم. هاربون من ذوات أنفسهم.. وسرعان ما يتكشف الرخاء المادي والمتاع الحسي الذي يصل إلى حد التمرغ في الوحل، عن الأمراض العصبية والنفسية والشذوذ والقلق والمرض والجنون والمسكرات والمخدرات والجريمة. وفراغ الحياة من كل تصور كريم! إنهم لا يجدون أنفسهم لأنهم لا يجدون غاية وجودهم الحقيقية.. إنهم لا يجدون سعادتهم لأنهم لا يجدون المنهج الإلهي الذي ينسق بين حركتهم وحركة الكون، وبين نظامهم وناموس الوجود.. إنهم لا يجدون طمأنينتهم لأنهم لا يعرفون الله الذي إليه يرجعون..
84- ولما كانت الأمة المسلمة- المسلمة حقاً لا جغرافية ولا تاريخاً! - هي الأمة المدركة لحقيقة العهد بين الله ورسله. وحقيقة دين الله الواحد ومنهجه، وحقيقة الموكب السني الكريم الذي حمل هذا المنهج وبلغه، فإن الله يأمر نبيه- صلى الله عليه وسلم- أن يعلن هذه الحقيقة كلها ويعلن إيمان أمته بجميع الرسالات، واحترامها لجميع الرسل، ومعرفتها بطبيعة دين الله، الذي لا يقبل الله من الناس سواه:
«قُلْ: آمَنَّا بِاللَّهِ، وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا، وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ، وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ [1] ، وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ

[1] الأسباط هم أحفاد يعقوب عليه السلام وهم آباء الاثني عشر سبطا التي يتألف منها شعب إسرائيل.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 422
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست