responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 443
وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والثارات القبلية، والأطماع الشخصية والرايات العنصرية، ويتجمع الصف تحت لواء الله الكبير المتعال..
«وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً، فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» ..
ويذكرهم كذلك نعمته عليهم في إنقاذهم من النار التي كانوا على وشك أن يقعوا فيها، إنقاذهم من النار بهدايتهم إلى الاعتصام بحبل الله- الركيزة الأولى- وبالتأليف بين قلوبهم، فأصبحوا بنعمة الله إخواناً- الركيزة الثانية-:
«وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها» .
والنص القرآني يعمد إلى مكمن المشاعر والروابط: «الْقَلْبِ» .. فلا يقول: فألف بينكم. إنما ينفذ إلى المكمن العميق: «فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ» فيصور القلوب حزمة مؤلفة متآلفة بيد الله وعلى عهده وميثاقه. كذلك يرسم النص صورة لما كانوا فيه. بل مشهداً حياً متحركاً تتحرك معه القلوب: «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ» .. وبينما حركة السقوط في حفرة النار متوقعة، إذا بالقلوب ترى يد الله، وهي تدرك وتنقذ! وحبل الله وهو يمتد ويعصم. وصورة النجاة والخلاص بعد الخطر والترقب! وهو مشهد متحرك حي تتبعه القلوب واجفة خافقة، وتكاد العيون تتملاه من وراء الأجيال! وقد ذكر محمد بن إسحاق في السيرة وغيره أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج. وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلاً معه، وأمره أن يجلس بينهم، ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم «بُعاث» ! وتلك الحروب. ففعل. فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم. وطلبوا أسلحتهم.
وتوعدوا إلى «الحرّة» .. فبلغ ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- فأتاهم، فجعل يسكنهم، ويقول: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم.
وكذلك بين الله لهم فاهتدوا، وحق فيهم قول الله سبحانه في التعقيب في الآية:
«كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» .
فهذه صورة من جهد يهود لتقطيع حبل الله بين المتحابين فيه، القائمين على منهجه، لقيادة البشرية في طريقه.. هذه صورة من ذلك الكيد الذي تكيده يهود دائما للجماعة المسلمة، كلما تجمعت على منهج الله واعتصمت بحبله. وهذه ثمرة من ثمار طاعة أهل الكتاب. كادت ترد المسلمين الأولين كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض. وتقطع بينهم حبل الله المتين، الذي يتآخون فيه مجتمعين. وهذه صلة هذه الآية بالآيات قبلها في هذا السياق.
على أن مدلول الآية أوسع مدى من هذه الحادثة. فهي تشي- مع ما قبلها في السياق وما بعدها- بأنه كانت هناك حركة دائبة من اليهود لتمزيق شمل الصف المسلم في المدينة، وإثارة الفتنة والفرقة بكل الوسائل. والتحذيرات القرآنية المتوالية من إطاعة أهل الكتاب، ومن الاستماع إلى كيدهم ودسهم، ومن التفرق كما تفرقوا.. هذه التحذيرات تشي بشدة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من كيد اليهود في المدينة، ومن بذرهم لبذور الشقاق والشك والبلبلة باستمرار.. وهو دأب يهود في كل زمان. وهو عملها اليوم وغداً في الصف المسلم، في كل مكان!

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 443
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست