نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 461
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد رأى في منامه: أن في سيفه ثلمة، ورأى أن بقراً تذبح، وأنه أدخل يده في درع حصينة.. فتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته. وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون. وتأول الدرع بالمدينة.. وكان إذن يرى عاقبة المعركة. ولكنه في الوقت ذاته كان يمضي نظام الشورى، ونظام الحركة بعد الشورى.. لقد كان يربي أمة. والأمم تربى بالأحداث، وبرصيد التجارب الذي تتمخض عنه الأحداث.. ثم لقد كان يُمضي قدر الله، الذي تستقر عليه مشاعره، ويستقر عليه قلبه، فيمضي وفق مواقع هذا القدر، كما يحسها في قلبه الموصول..
وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ألف من أصحابه، واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بمن بقي في المدينة، فلما صار بين المدينة وأحد، انعزل رأس النفاق: عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر. وقال:
يخالفني ويسمع للفتية! فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام- والد جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- يوبخهم ويحضهم على الرجوع. ويقول: تعالوا قاتلوا في سبيل الله، أو ادفعوا. قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع! فرجع عنهم وسبهم.
وسأله قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود.. فأبي- صلى الله عليه وسلم- فالمعركة هي معركة الإيمان والكفر فما ليهود بها؟ والنصر من عند الله- حين يصح التوكل عليه وتتجرد القلوب له- وقال: «من رجل يخرج بنا على القوم من كثب؟» فخرج به بعض الأنصار حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي، وجعل ظهره إلى أحد، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم.
فلما أصبح تعبأ للقتال في سبعمائة، فيهم خمسون فارساً، واستعمل على الرماة- وكانوا خمسين- عبد الله ابن جبير، وأمره وأصحابه أن يلزموا مركزهم، وألا يفارقوه ولو رأوا الطير تتخطف العسكر. وكانوا خلف الجيش. وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم.
وظاهر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين درعين. وأعطى اللواء مصعب بن عمير. وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو. واستعرض الشبان يومئذ، فرد من استصغره عن القتال. وكان منهم عبد الله بن عمرو، وأسامة بن زيد، وأسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وزيد ابن أرقم، وزيد بن ثابت، وعرابة بن أوس، وعمرو بن حزام. وأجاز من رآه مطيقاً. وكان منهم سمرة بن جندب، ورافع بن خديج، ولهما خمس عشرة سنة! وتعبأت قريش للقتال وهم في ثلاثة آلاف. وفيهم مائتا فارس. فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل.
ودفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سيفه إلى أبي دجانة سماك بن خرشة. وكان شجاعاً بطلاً يختال عند الحرب.
وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر الفاسق. وكان يسمى «الراهب» فسماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «الفاسق» . وكان رأس الأوس في الجاهلية. فلما جاء الإسلام شرق به، وجاهر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالعداوة، فخرج من المدينة، وذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويحضهم على قتاله. ووعدهم بأن قومه إذا رأوه أطاعوه ومالوا معه. فكان أول من لقي المسلمين. فنادى قومه، وتعرف إليهم. فقالوا له: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق! فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر! ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 461