نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 48
والأنداد التي يشدد القرآن في النهي عنها لتخلص عقيدة التوحيد نقية واضحة، قد لا تكون آلهة تعبد مع الله على النحو الساذج الذي كان يزاوله المشركون. فقد تكون الأنداد في صور أخرى خفية. قد تكون في تعليق الرجاء بغير الله في أي صورة، وفي الخوف من غير الله في أي صورة. وفي الاعتقاد بنفع أو ضر في غير الله في أي صورة.. عن ابن عباس قال: «الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل. وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي. ويقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت! وقول الرجل:
لولا الله وفلان.. هذا كله به شرك» ... وفي الحديث أن رجلا قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ماشاء الله وشئت. قال: «أجعلتني لله نداً؟» ! هكذا كان سلف هذه الأمة ينظر إلى الشرك الخفي والأنداد مع الله.. فلننظر نحن أين نحن من هذه الحساسية المرهفة، وأين نحن من حقيقة التوحيد الكبيرة!!! 23- ولقد كان اليهود يشككون في صحة رسالة النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان المنافقون يرتابون فيها- كما ارتاب المشركون وشككوا في مكة وغيرها- فهنا يتحدى القرآن الجميع. إذ كان الخطاب إلى «الناس» جميعاً. يتحداهم بتجربة واقعية تفصل في الأمر بلا مماحكة:
«وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ..
ويبدأ هذا التحدي بلفتة لها قيمتها في هذا المجال.. يصف الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالعبودية لله: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا» .. ولهذا الوصف في هذا الموضع دلالات منوعة متكاملة:
فهو أولاً تشريف للنبي وتقريب بإضافة عبوديته لله تعالى دلالة على أن مقام العبودية لله هو أسمى مقام يدعى إليه بشر ويدعى به كذلك. وهو ثانياً تقرير لمعنى العبودية، في مقام دعوة الناس كافة إلى عبادة ربهم وحده، واطراح الأنداد كلها من دونه. فها هو ذا النبي في مقام الوحي- وهو أعلى مقام- يدعى بالعبودية لله، ويشرف بهذه النسبة في هذا المقام.
أما التحدي فمنظور فيه إلى مطلع السورة.. فهذا الكتاب المنزل مصوغ من تلك الحروف التي في أيديهم، فإن كانوا يرتابون في تنزيله، فدونهم فليأتوا بسورة من مثله وليدعوا من يشهد لهم بهذا- من دون الله- فالله قد شهد لعبده بالصدق في دعواه.
وهذا التحدي ظل قائما في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وبعدها، وما يزال قائماً إلى يومنا هذا وهو حجة لا سبيل إلى المماحكة فيها.. وما يزال القرآن يتميز من كل كلام يقوله البشر تميزاً واضحاً قاطعاً.
24- وسيظل كذلك أبداً. سيظل كذلك تصديقا لقول الله تعالى في الآية التالية:
«فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا- وَلَنْ تَفْعَلُوا- فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ» ..
والتحدي هنا عجيب، والجزم بعدم إمكانه أعجب، ولو كان في الطاقة تكذيبه ما توانوا عنه لحظة. وما من شك أن تقرير القرآن الكريم أنهم لن يفعلوا، وتحقق هذا كما قرره هو بذاته معجزة لا سبيل إلى المماراة فيها. ولقد كان المجال أمامهم مفتوحاً، فلو أنهم جاءوا بما ينقض هذا التقرير القاطع لانهارت حجية القرآن ولكن هذا لم يقع ولن يقع كذلك فالخطاب للناس جميعاً، ولو أنه كان في مواجهة جيل من أجيال الناس..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 48