نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 482
الله. فأخص خصائص الألوهية التشريع للعباد وأخص خصائص العبودية التلقي من الله.. ومدلولها كذلك ألا يتلقى من الله إلا عن محمد بما أنه رسول الله. ولا يعتمد مصدراً آخر للتلقي إلا هذا المصدر..
ومقتضى هذه الشهادة أن يجاهد إذن لتصبح الألوهية لله وحده في الأرض، كما بلغها محمد- صلى الله عليه وسلم- فيصبح المنهج الذي أراده الله للناس، والذي بلغه عنه محمد- صلى الله عليه وسلم- هو المنهج السائد والغالب والمطاع، وهو النظام الذي يصرّف حياة الناس كلها بلا استثناء.
فإذا اقتضى هذا الأمر أن يموت في سبيله، فهو إذن شهيد. أي شاهد طلب الله إليه أداء هذه الشهادة فأداها. واتخذه الله شهيداً.. ورزقه هذا المقام.
هذا فقه ذلك التعبير العجيب:
«وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ..» ..
وهو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومقتضاه.. لا ما انتهى إليه مدلول هذه الشهادة من الرخص والتفاهة والضياع! «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» ..
والظلم كثيراً ما يذكر في القرآن ويراد به الشرك. بوصفه أظلم الظلم وأقبحه. وفي القرآن: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» .. وفي الصحيحين عن ابن مسعود: أنه قال: قلت: يا رسول الله. أي الذنب أعظم؟ قال:
«أن تجعل لله ندا وهو خلقك ... » ..
وقد أشار السياق من قبل إلى سنة الله في المكذبين فالآن يقرر أن الله لا يحب الظالمين. فهو توكيد في صورة أخرى لحقيقة ما ينتظر المكذبين الظالمين الذين لا يحبهم الله. والتعبير بأن الله لا يحب الظالمين، يثير في نفس المؤمن بغض الظلم وبغض الظالمين. وهذه الإثارة في معرض الحديث عن الجهاد والاستشهاد، لها مناسبتها الحاضرة. فالمؤمن إنما يبذل نفسه في مكافحة ما يكرهه الله ومن يكرهه. وهذا هو مقام الاستشهاد، وفي هذا تكون الشهادة ومن هؤلاء يتخذ الله الشهداء..
141- ثم يمضي السياق القرآني يكشف عن الحكمة الكامنة وراء الأحداث، في تربية الأمة المسلمة وتمحيصها وإعدادها لدورها الأعلى، ولتكون أداة من أدوات قدره في محق الكافرين، وستاراً لقدرته في هلاك المكذبين:
«وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ» ..
والتمحيص درجة بعد الفرز والتمييز. التمحيص عملية تتم في داخل النفس، وفي مكنون الضمير.. إنها عملية كشف لمكنونات الشخصية، وتسليط الضوء على هذه المكنونات. تمهيداً لإخراج الدخل والدغل والأوشاب، وتركها نقية واضحة مستقرة على الحق، بلا غبش ولا ضباب..
وكثيراً ما يجهل الإنسان نفسه، ومخابئها ودروبها ومنحنياتها. وكثيراً ما يجهل حقيقة ضعفها وقوتها، وحقيقة ما استكن فيها من رواسب، لا تظهر إلا بمثير! وفي هذا التمحيص الذي يتولاه الله- سبحانه- بمداولة الأيام بين الناس بين الشدة والرخاء، يعلم المؤمنون من أنفسهم ما لم يكونوا يعلمونه قبل هذا المحك المرير: محك الأحداث والتجارب والمواقف العملية الواقعية.
ولقد يظن الإنسان في نفسه القدرة والشجاعة والتجرد والخلاص من الشح والحرص.. ثم إذا هو يكشف- على ضوء التجربة العملية، وفي مواجهة الأحداث الواقعية- إن في نفسه عقابيل لم تمحص. وأنه لم يتهيأ
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 482