responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 487
ولقد أصيبوا- حين وقعت بالفعل- بالدهش والذهول. حتى لقد وقف عمر- رضي الله عنه- شاهراً سيفه، يهدد به من يقول: إن محمداً قد مات! ولم يثبت إلا أبو بكر، الموصول القلب بصاحبه، وبقدر الله فيه، الاتصال المباشر الوثيق. وكانت هذه الآية- حين ذكرها وذكر بها المدهوشين الذاهلين- هي النداء الإلهي المسموع، فإذا هم يثوبون ويرجعون! 145- ثم يلمس السياق القرآني مكمن الخوف من الموت في النفس البشرية، لمسة موحية، تطرد ذلك الخوف، عن طريق بيان الحقيقة الثابتة في شأن الموت وشأن الحياة، وما بعد الحياة والموت من حكمة لله وتدبير، ومن ابتلاء للعباد وجزاء:
«وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا. وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها. وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ» ..
إن لكل نفس كتاباً مؤجلاً إلى أجل مرسوم. ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم. فالخوف والهلع، والحرص والتخلف، لا تطيل أجلاً. والشجاعة والثبات والإقدام والوفاء لا تقصر عمراً. فلا كان الجبن، ولا نامت أعين الجبناء. والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد! بذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس، فتترك الاشتغال به، ولا تجعله في الحساب، وهي تفكر في الأداء والوفاء بالالتزامات والتكاليف الإيمانية. وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص، كما ترتفع على وهلة الخوف والفزع. وبذلك تستقيم على الطريق بكل تكاليفه وبكل التزاماته، في صبر وطمأنينة، وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده.
ثم ينتقل بالنفس خطوة وراء هذه القضية التي حسم فيها القول.. فإنه إذا كان العمر مكتوباً، والأجل مرسوماً.. فلتنظر نفس ما قدمت لغد ولتنظر نفس ماذا تريد.. أتريد أن تقعد عن تكاليف الإيمان، وأن تحصر همها كله في هذه الأرض، وأن تعيش لهذه الدنيا وحدها؟ أم تريد أن تتطلع إلى أفق أعلى، وإلى اهتمامات أرفع، وإلى حياة أكبر من هذه الحياة؟ .. مع تساوي هذا الهم وذلك فيما يختص بالعمر والحياة؟! «وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها. وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها» .
وشتان بين حياة وحياة! وشتان بين اهتمام واهتمام! - مع اتحاد النتيجة بالقياس إلى العمر والأجل- والذي يعيش لهذه الأرض وحدها، ويريد ثواب الدنيا وحدها.. إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب. والذي يتطلع إلى الأفق الآخر.. إنما يحيا حياة «الإنسان» الذي كرمه الله واستخلفه وأفرده بهذا المكان ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب.. «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا» ..
«وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ» ..
الذين يدركون نعمة التكريم الإلهي للإنسان، فيرتفعون عن مدارج الحيوان ويشكرون الله على تلك النعمة، فينهضون بتبعات الإيمان..
وهكذا يقرر القرآن حقيقة الموت والحياة، وحقيقة الغاية التي ينتهي إليها الأحياء، وفق ما يريدونه لأنفسهم، من اهتمام قريب كاهتمام الدود، أو اهتمام بعيد كاهتمام الإنسان! وبذلك ينقل النفس من الإنشغال بالخوف من الموت والجزع من التكاليف- وهي لا تملك شيئاً في شأن الموت والحياة- إلى الإنشغال بما هو أنفع للنفس،

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 487
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست