نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 489
«وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا، وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» ..
إنهم لم يطلبوا نعمة ولا ثراء. بل لم يطلبوا ثواباً ولا جزاء.. لم يطلبوا ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة. لقد كانوا أكثر أدباً مع الله، وهم يتوجهون إليه، بينما هم يقاتلون في سبيله. فلم يطلبوا منه- سبحانه- إلا غفران الذنوب، وتثبيت الأقدام.. والنصر على الكفار. فحتى النصر لا يطلبونه لأنفسهم إنما يطلبونه هزيمة للكفر وعقوبة للكفار.. إنه الأدب اللائق بالمؤمنين في حق الله الكريم.
148- وهؤلاء الذين لم يطلبوا لأنفسهم شيئاً، أعطاهم الله من عنده كل شيء. أعطاهم من عنده كل ما يتمناه طلاب الدنيا وزيادة. وأعطاهم كذلك كل ما يتمناه طلاب الآخرة ويرجونه:
«فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا، وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ» ..
وشهد لهم- سبحانه- بالإحسان. فقد أحسنوا الأدب وأحسنوا الجهاد، وأعلن حبه لهم. وهو أكبر من النعمة وأكبر من الثواب:
«وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» ..
وهكذا تنتهي هذه الفقرة في الاستعراض وقد تضمنت تلك الحقائق الكبيرة في التصور الإسلامي. وقد أدت هذا الدور في تربية الجماعة المسلمة. وقد ادخرت هذا الرصيد للأمة المسلمة في كل جيل..
149- ثم يمضي السياق خطوة أخرى في استعراض أحداث المعركة واتخاذها محوراً للتعقيبات، يتوخى بها تصحيح التصور، وتربية الضمائر، والتحذير من مزالق الطريق، والتنبيه إلى ما يحيط بالجماعة المسلمة من الكيد، وما يبيته لها أعداؤها المتربصون:
ولقد كانت الهزيمة في أحد مجالاً لدسائس الكفار والمنافقين واليهود في المدينة. وكانت المدينة لم تخلص بعد للإسلام بل لا يزال المسلمون فيها نبتة غريبة إلى حد كبير. نبتة غريبة أحاطتها «بدر» بسياج من الرهبة، بما كان فيها من النصر الأبلج. فلما كانت الهزيمة في أحد تغير الموقف إلى حد كبير وسنحت الفرصة لهؤلاء الأعداء المتربصين أن يظهروا أحقادهم، وأن ينفثوا سمومهم وأن يجدوا في جو الفجائع التي دخلت كل بيت من بيوت المسلمين- وبخاصة بيوت الشهداء ومن أصابتهم الجراح المثخنة- ما يساعد على ترويج الكيد والدس والبلبلة في الأفكار والصفوف.
وفي هذه الفقرة التالية من الاستعراض القرآني الموجه- وهي تمثل جسم المعركة وأضخم مشاهدها- نسمع الله سبحانه يدعو الذين آمنوا ليحذرهم من طاعة الذين كفروا ونسمعه- سبحانه- يعدهم النصر على عدوهم، وإلقاء الرعب في قلبه ويذكرهم بالنصر الذي حققه لهم في أول المعركة، حسب وعده لهم والذي إنما أضاعوه هم بضعفهم ونزاعهم وخلافهم عن أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم يستحضر مشهد المعركة بشطريه، في صورة فائضة بالحيوية والحركة. ثم ما أعقب الهزيمة والفزع، من إنزال الطمأنينة في قلوب المؤمنين منهم بينما القلق والحيرة والحسرة تأكل قلوب المنافقين، الذين ساء ظنهم بالله سبحانه. ويكشف لهم كذلك عن جانب من حكمته الخفية وتدبيره اللطيف، في سير الأحداث سيرتها تلك، مع تقرير حقيقة قدر الله في آجال العباد. ويحذرهم في نهاية هذه الفقرة من ضلال التصورات التي يشيعها الكفار في قضية الموت
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 489