نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 549
الأشواك، وتمهيد التربة للنبتة الطيبة، والتمكين لها في الأرض، أياً كانت التضحيات، وأياً كانت العقبات:
«فَالَّذِينَ هاجَرُوا، وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ، وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي، وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا. لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ، وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ» .
وقد كانت هذه صورة الداعين المخاطبين بهذا القرآن أول مرة. الذين هاجروا من مكة، وأخرجوا من ديارهم، في سبيل العقيدة، وأوذوا في سبيل الله لا في أي غاية سواه، وقاتلوا وقتلوا.. ولكنها صورة أصحاب هذه العقيدة في صميمها.. في كل أرض وفي كل زمان.. صورتها وهي تنشأ في الجاهلية- أية جاهلية- في الأرض المعادية لها- أية أرض- وبين القوم المعادين- أي قوم- فتضيق بها الصدور، وتتأذى بها الأطماع والشهوات، وتتعرض للأذى والمطاردة، وأصحابها- في أول الأمر- قلة مستضعفة.. ثم تنمو النبتة الطيبة- كما لا بد أن تنمو- على الرغم من الأذى، وعلى الرغم من المطاردة، ثم تملك الصمود والمقاومة والدفاع عن نفسها. فيكون القتال، ويكون القتل.. وعلى هذا الجهد الشاق المرير يكون تكفير السيئات، ويكون الجزاء ويكون الثواب.
هذا هو الطريق.. طريق هذا المنهج الرباني، الذي قدر الله أن يكون تحققه في واقع الحياة بالجهد البشري، وعن طريق هذا الجهد، وبالقدر الذي يبذله المؤمنون المجاهدون في سبيل الله. ابتغاء وجه الله.
وهذه هي طبيعة هذا المنهج، ومقوماته، وتكاليفه.. ثم هذه هي طريقة المنهج في التربية، وطريقته في التوجيه، للانتقال من مرحلة التأثر الوجداني بالتفكر والتدبر في خلق الله إلى مرحلة العمل الإيجابي وفق هذا التأثر تحقيقاً للمنهج الذي أراده الله [1] .
196- ثم التفاتة واقعية إلى الفتنة المستكنة في المتاع المتاح في هذه الأرض للكفار والعصاة والمعادين لمنهج الله.. التفاتة لإعطاء هذا المتاع وزنه الصحيح وقيمته الصحيحة، حتى لا يكون فتنة لأصحابه، ثم كي لا يكون فتنة للمؤمنين، الذي يعانون ما يعانون، من أذى وإخراج من الديار، وقتل وقتال:
«لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتاعٌ قَلِيلٌ.. ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ. لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ» ..
وتقلب الذين كفروا في البلاد، مظهر من مظاهر النعمة والوجدان، ومن مظاهر المكانة والسلطان، وهو مظهر يحيك في القلوب منه شيء لا محالة. يحيك منه شيء في قلوب المؤمنين وهم يعانون الشظف والحرمان، ويعانون الأذى والجهد، ويعانون المطاردة أو الجهاد.. وكلها مشقات وأهوال، بينما أصحاب الباطل ينعمون ويستمتعون! .. ويحيك منه شيء في قلوب الجماهير الغافلة، وهي ترى الحق وأهله يعانون هذا العناء، والباطل وأهله في منجاة، بل في مسلاة! ويحيك منه شيء في قلوب الضالين المبطلين أنفسهم فيزيدهم ضلالاً وبطراً ولجاجاً في الشر والفساد.
هنا تأتي هذه اللمسة:
«لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتاعٌ قَلِيلٌ. ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ» .
197- متاع قليل.. ينتهي ويذهب.. أما المأوى الدائم الخالد، فهو جهنم.. وبئس المهاد! [1] يراجع بتوسع كتاب: «منهج التربية الإسلامية» لمحمد قطب فصل «تربية العقل» «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 549