نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 56
ومن ثم كان القصص شطراً كبيراً من كتاب الدعوة الكريم.
فلننظر الآن في قصة آدم- كما جاءت هنا- في ضوء هذه الإيضاحات..
إن السياق- فيما سبق- يستعرض موكب الحياة، وبل موكب الوجود كله. ثم يتحدث عن الأرض- في معرض آلاء الله على الناس- فيقرر أن الله خلق كل ما فيها لهم.. فهنا في هذا الجو تجيء قصة استخلاف آدم في الأرض، ومنحه مقاليدها، على عهد من الله وشرط، وإعطائه المعرفة التي يعالج بها هذه الخلافة.
كما أنها تمهد للحديث عن استخلاف بني إسرائيل في الأرض بعهد من الله ثم عزلهم عن هذه الخلافة وتسليم مقاليدها للأمة المسلمة الوافية بعهد الله (كما سيجيء) فتتسق القصة مع الجو الذي تساق فيه كل الاتساق.
فلنعش لحظات مع قصة البشرية الأولى وما وراءها من إيحاءات أصيلة:
30- ها نحن أولاء- بعين البصيرة في ومضات الاستشراف- في ساحة الملأ الأعلى وها نحن أولاء نسمع ونرى قصة البشرية الأولى:
«وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» ..
وإذن فهي المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود، زمام هذه الأرض، وتطلق فيها يده، وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين، والتحليل والتركيب، والتحوير والتبديل وكشف ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، وتسخير هذا كله- بإذن الله- في المهمة الضخمة التي وكلها الله إليه.
وإذن فقد وهب هذا الكائن الجديد من الطاقات الكامنة، والاستعدادات المذخورة كفاء ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات ووهب من القوى الخفية ما يحقق المشيئة الإلهية.
وإذن فهنالك وحدة أو تناسق بين النواميس التي تحكم الأرض- وتحكم الكون كله- والنواميس التي تحكم هذا المخلوق وقواه وطاقاته، كي لا يقع التصادم بين هذه التصادم بين هذه النواميس وتلك وكي لا تتحطم طاقة الإنسان على صخرة الكون الضخمة! وإذن فهي منزلة عظيمة، منزلة هذا الإنسان، في نظام الوجود على هذه الأرض الفسيحة. وهو التكريم الذي شاءه له خالقه الكريم.
هذا كله بعض إيحاء التعبير العلوي الجليل: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» .. حين نتملاه اليوم بالحس اليقظ والبصيرة المفتوحة، ورؤية ما تم في الأرض على يد هذا الكائن المستخلف في هذا الملك العريض! «قالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟» ..
ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم من شواهد الحال، أو من تجارب سابقة في الأرض، أو من إلهام البصيرة، ما يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق، أو من مقتضيات حياته على الأرض وما يجعلهم يعرفون أو يتوقعون أنه سيفسد في الأرض، وأنه سيسفك الدماء.. ثم هم- بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق، وإلا السلام الشامل- يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له، هو وحده الغاية المطلقة للوجود، وهو وحده العلة الأولى للخلق.. وهو متحقق بوجودهم هم، يسبحون بحمد الله ويقدسون له،
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 56