نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 578
الضمائر، وهو يقول: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى» .. فهي مسألة تحرج وتقوى وخوف من الله إذا توقع الولي ألا يعدل مع اليتيمة في حجره، ونص الآية مطلق لا يحدد مواضع العدل، فالمطلوب هو العدل في كل صوره وبكل معانيه في هذه الحالة، سواء فيما يختص بالصداق، أو فيما يتعلق بأي اعتبار آخر. كأن ينكحها رغبة في مالها، لا لأن لها في قلبه مودة، ولا لأنه يرغب رغبة نفسية في عشرتها لذاتها. وكأن ينكحها وهناك فارق كبير من السن لا تستقيم معه الحياة، دون مراعاة لرغبتها هي في إبرام هذا النكاح، هذه الرغبة التي قد لا تفصح عنها حياء أو خوفاً من ضياع مالها إذا هي خالفت عن إرادته.. إلى آخر تلك الملابسات التي يخشى ألا يتحقق فيها العدل.. والقرآن يقيم الضمير حارساً، والتقوى رقيباً. وقد أسلف في الآية السابقة التي رتب عليها هذه التوجيهات كلها قوله: «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» ..
فعند ما لا يكون الأولياء واثقين من قدرتهم على القسط مع اليتيمات اللواتي في حجورهم، فهناك النساء غيرهن، وفي المجال متسع للبعد عن الشبهة والمظنة:
«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ. فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» ..
وهذه الرخصة في التعدد، مع هذا التحفظ عند خوف العجز عن العدل، والاكتفاء بواحدة في هذه الحالة، أو بما ملكت اليمين..
هذه الرخصة- مع هذا التحفظ- يحسن بيان الحكمة والصلاح فيها. في زمان جعل الناس يتعالمون فيه على ربهم الذي خلقهم، ويدعون لأنفسهم بصراً بحياة الإنسان وفطرته ومصلحته فوق بصر خالقهم سبحانه! ويقولون في هذا الأمر وذاك بالهوى والشهوة، وبالجهالة والعمى. كأن ملابسات وضرورات جدّت اليوم، يدركونها هم ويقدرونها ولم تكن في حساب الله- سبحانه- ولا في تقديره، يوم شرّع للناس هذه الشرائع!!! وهي دعوى فيها من الجهالة والعمى، بقدر ما فيها من التبجح وسوء الأدب، بقدر ما فيها من الكفر والضلالة! ولكنها تقال، ولا تجد من يرد الجهال العمي المتبجحين المتوقحين الكفار الضلال عنها! وهم يتبجحون على الله وشريعته، ويتطاولون على الله وجلاله، ويتوقحون على الله ومنهجه، آمنين سالمين غانمين، مأجورين من الجهات التي يهمها أن تكيد لهذا الدين! وهذه المسألة- مسألة إباحة تعدد الزوجات بذلك التحفظ الذي قرره الإسلام- يحسن أن تؤخذ بيسر ووضوح وحسم وأن تعرف الملابسات الحقيقية والواقعية التي تحيط بها..
روى البخاري- بإسناده- أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم- وتحته عشر نسوة- فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: «اختر منهن أربعاً» ..
وروى أبو داود- بإسناده- أن عميرة الأسدي قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة، فذكرت ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: «اختر منهن أربعاً» .
وقال الشافعي في مسنده: أخبرني من سمع ابن أبي الزياد يقول: أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل بن عبد الرحمن، عن عوف بن الحارث، عن نوفل بن معاوية الديلمي، قال: أسلمت وعندي خمس نسوة، فقال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى» ..
فقد جاء الإسلام إذن، وتحت الرجال عشر نسوة أو أكثر أو أقل- بدون حد ولا قيد- فجاء ليقول للرجال: إن هناك حداً لا يتجاوزه المسلم- هو أربع- وإن هناك قيداً- هو إمكان العدل- وإلا فواحدة..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 578