responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 58
«إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ» ..
وهنا تتبدى خليقة الشر مجسمة: عصيان الجليل سبحانه! والاستكبار عن معرفة الفضل لأهله. والعزة بالإثم. والاستغلاق عن الفهم.
ويوحي السياق أن ابليس لم يكن من جنس الملائكة، إنما كان معهم. فلو كان منهم ما عصى. وصفتهم الأولى أنهم «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» .. والاستثناء هنا لا يدل على أنه من جنسهم، فكونه معهم يجيز هذا الاستثناء، كما تقول: جاء بنو فلان إلا أحمد. وليس منهم إنما هو عشير هم وإبليس من الجن بنص القرآن، والله خلق الجان من مارج من نار. وهذا يقطع بأنه ليس من الملائكة.
35- والآن. لقد انكشف ميدان المعركة الخالدة. المعركة بين خليقة الشر في إبليس، وخليفة الله في الأرض.
المعركة الخالدة في ضمير الإنسان. المعركة التي ينتصر فيها الخير بمقدار ما يستعصم الإنسان لشهوته. ويبعد عن ربه:
«وَقُلْنا: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ، وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما، وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ، فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ» ..
لقد أبيحت لهما كل ثمار الجنة.. إلا شجرة.. شجرة واحدة، ربما كانت ترمز للمحظور الذي لا بد منه في حياة الأرض. فبغير محظور لا تنبت الإرادة، ولا يتميز الإنسان المريد من الحيوان المسوق، ولا يمتحن صبر الإنسان على الوفاء بالعهد والتقيد بالشرط. فالإرادة هي مفرق الطريق. والذين يستمتعون بلا إرادة هم من عالم البهيمة، ولو بدوا في شكل الآدميين! 36- «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها، فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ» ..
ويا للتعبير المصور: «فَأَزَلَّهُمَا» .. إنه لفظ يرسم صورة الحركة التي يعبر عنها. وإنك لتكاد تلمح الشيطان وهو يزحزحهما عن الجنة، ويدفع بأقدامهما فتزل وتهوي! عندئذ تمت التجربة: نسي آدم عهده، وضعف أمام الغواية. وعندئذ حقت كلمة الله، وصرح قضاؤه:
«وَقُلْنَا: اهْبِطُوا.. بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» ..
وكان هذا إيذاناً بانطلاق المعركة في مجالها المقدر لها. بين الشيطان والإنسان. إلى آخر الزمان.
37- ونهض آدم من عثرته، بما ركب في فطرته، وأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عند ما يثوب إليها، ويلوذ بها.
«فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» ..
وتمت كلمة الله الأخيرة، وعهده الدائم مع آدم وذريته. عهد الاستخلاف في هذه الأرض، وشرط الفلاح فيها أو البوار.
38- «قُلْنَا: اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً. فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» ..
وانتقلت المعركة الخالدة إلى ميدانها الأصيل، وانطلقت من عقالها ما تهدأ لحظة وما تفتر. وعرف الإنسان في فجر البشرية كيف ينتصر إذا شاء الانتصار، وكيف ينكسر إذا اختار لنفسه الخسار ...

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 1  صفحه : 58
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست