نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 604
18- إن الله- سبحانه- لا يطارد عباده الضعاف، ولا يطردهم متى تابوا إليه وأنابوا. وهو- سبحانه- غني عنهم، وما تنفعه توبتهم، ولكن تنفعهم هم أنفسهم، وتصلح حياتهم وحياة المجتمع الذي يعيشون فيه. ومن ثم يفسح لهم في العودة إلى الصف تائبين متطهرين.
«وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ» .
فهذه التوبة هي توبة المضطر، لجت به الغواية، وأحاطت به الخطيئة. توبة الذي يتوب لأنه لم يعد لديه متسع لارتكاب الذنوب، ولا فسحة لمقارفة الخطيئة. وهذه لا يقبلها الله، لأنها لا تنشئ صلاحاً في القلب ولا صلاحاً في الحياة، ولا تدل على تبدل في الطبع ولا تغير في الاتجاه.
والتوبة إنما تقبل لأنها الباب المفتوح الذي يلجه الشاردون إلى الحمى الآمن، فيستردون أنفسهم من تيه الضلال، وتستردهم البشرية من القطيع الضال تحت راية الشيطان، ليعملوا عملاً صالحاً- إن قدر الله لهم امتداد العمر بعد المتاب- أو ليعلنوا- على الأقل- انتصار الهداية على الغواية. إن كان الأجل المحدود ينتظرهم، من حيث لا يشعرون أنه لهم بالوصيد..
«وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ» ..
وهؤلاء قد قطعوا كل ما بينهم وبين التوبة من وشيجة، وضيعوا كل ما بينهم وبين المغفرة من فرصة..
«أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» .
اعتدناه: أي أعددناه وهيأناه.. فهو حاضر في الانتظار لا يحتاج إلى إعداد أو إحضار! وهكذا يشتد المنهج الرباني في العقوبة، ولكنه في الوقت ذاته يفتح الباب على مصراعيه للتوبة. فيتم التوازن في هذا المنهج الرباني الفريد، وينشئ آثاره في الحياة كما لا يملك منهج آخر أن يفعل في القديم والجديد..
19- والموضوع الثاني في هذا الدرس هو موضوع المرأة..
ولقد كانت الجاهلية العربية- كما كانت سائر الجاهليات من حولهم- تعامل المرأة معاملة سيئة.. لا تعرف لها حقوقها الإنسانية، فتنزل بها عن منزلة الرجل نزولاً شنيعاً، يدعها أشبه بالسلعة منها بالإنسان. وذلك في الوقت الذي تتخذ منها تسلية ومتعة بهيمية، وتطلقها فتنة للنفوس، وإغراء للغرائز، ومادة للتشهي والغزل العاري المكشوف.. فجاء الإسلام ليرفع عنها هذا كله، ويردها إلى مكانها الطبيعي في كيان الأسرة وإلى دورها الجدي في نظام الجماعة البشرية. المكان الذي يتفق مع المبدأ العام الذي قرره في مفتتح هذه السورة:
«الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً» .. ثم ليرفع مستوى المشاعر الإنسانية في الحياة الزوجية من المستوى الحيواني الهابط إلى المستوى الإنساني الرفيع، ويظللها بظلال الاحترام والمودة والتعاطف والتجمل وليوثق الروابط والوشائج، فلا تنقطع عند الصدمة الأولى، وعند الانفعال الأول:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً، وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ- إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ- وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً، وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً. وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ، وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً. أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً؟ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ، وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً؟ وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 604