نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 64
التاريخ البعيد ثم لم يخب أوارها حتى اللحظة الحاضرة، بنفس الوسائل، ونفس الأساليب، لا يتغير إلا شكلها أما حقيقتها فباقية، وأما طبيعتها فواحدة، وذلك على الرغم من أن العالم كله كان يطاردهم من جهة إلى جهة، ومن قرن إلى قرن، فلا يجدون لهم صدراً حنوناً إلا في العالم الإسلامي المفتوح، الذي ينكر الاضطهادات الدينية والعنصرية، ويفتح أبوابه لكل مسالم لا يؤذي الإسلام ولا يكيد للمسلمين! ولقد كان المنتظر أن يكون اليهود في المدينة هم أول من يؤمن بالرسالة الجديدة ويؤمن للرسول الجديد مذ كان القرآن يصدق ما جاء في التوراة في عمومه ومذ كانوا هم يتوقعون رسالة هذا الرسول، وعندهم أوصافه في البشارات التي يتضمنها كتابهم وهم كانوا يستفتحون به على العرب المشركين.
وهذا الدرس هو الشطر الأول من هذه الجولة الواسعة مع بني إسرائيل بل هذه الحملة الشاملة لكشف موقفهم وفضح كيدهم بعد استنفاد كل وسائل الدعوة معهم لترغيبهم في الإسلام، والانضمام إلى موكب الإيمان بالدين الجديد.
يبدأ هذا الدرس بنداء علوي جليل إلى بني إسرائيل، يذكرهم بنعمته- تعالى- عليهم ويدعوهم إلى الوفاء بعهدهم معه ليوفي بعهده معهم، وإلى تقواه وخشيته يمهد بها لدعوتهم إلى الإيمان بما أنزله مصدقا لما معهم. ويندد بموقفهم منه، وكفرهم به أول من يكفر! كما يندد بتلبيسهم الحق بالباطل وكتمان الحق ليموهوا على الناس- وعلى المسلمين خاصة- ويشيعوا الفتنة والبلبلة في الصف الإسلامي، والشك والارتياب في نفوس الداخلين في الإسلام الجديد. ويأمرهم أن يدخلوا في الصف. فيقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويركعوا مع الراكعين، مستعينين على قهر نفوسهم وتطويعها للاندماج في الدين الجديد بالصبر والصلاة. وينكر عليهم أن يكونوا يدعون المشركين إلى الإيمان، وهم في الوقت ذاته يأبون أن يدخلوا في دين الله مسلمين! ثم يبدأ في تذكيرهم بنعم الله التي أسبغها عليهم في تاريخهم الطويل. مخاطباً الحاضرين منهم كما لو كانوا هم الذين تلقوا هذه النعم على عهد موسى- عليه السلام- وذلك باعتبار أنهم أمة واحدة متضامنة الأجيال، متحدة الجبلة. كما هم في حقيقة الأمر وفق ما بدا من صفاتهم ومواقفهم في جميع العصور! ويعاود تخويفهم باليوم الذي يُخاف، حيث لا تجزي نفس عن نفس شيئاً، ولا يقبل منها شفاعة، ولا يؤخذ منها فدية، ولا يجدون من ينصرهم ويعصمهم من العذاب.
ويستحضر أمام خيالهم مشهد نجاتهم من فرعون وملئه كأنه حاضر. ومشهد النعم الأخرى التي ظلت تتوالى عليهم من تظليل الغمام إلى المن والسلوى إلى تفجير الصخر بالماء. ثم يذكرهم بما كان منهم بعد ذلك من انحرافات متوالية، ما يكاد يردهم عن واحدة منها حتى يعودوا إلى أخرى، وما يكاد يعفو عنهم من معصية حتى يقعوا في خطيئة، وما يكادون ينجون من عثرة حتى يقعوا في حفرة.. ونفوسهم هي هي في التوائها وعنادها وإصرارها على الالتواء والعناد، كما أنها هي هي في ضعفها عن حمل التكاليف، ونكولها عن الأمانة، ونكثها للعهد، ونقضها للمواثيق مع ربها ومع نبيها.. حتى لتبلغ أن تقتل أنبياءها بغير الحق، وتكفر بآيات ربها، وتعبد العجل وتجدف في حق الله. فترفض الإيمان لنبيها حتى ترى الله جهرة وتخالف عما أوصاها به الله وهي تدخل القرية فتفعل وتقول غير ما أمرت به وتعتدي في السبت، وتنسى ميثاق الطور، وتماحل وتجادل في ذبح البقرة التي أمر الله بذبحها لحكمة خاصة ...
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 64