نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 67
الخاص الذي قطعه الله لإبراهيم جد إسرائيل. والذي سيجيء في سياق السورة: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قالَ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً، قالَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قالَ: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» ..؟ أم هو العهد الخاص الذي قطعه الله على بني إسرائيل وقد رفع فوقهم الطور، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة، والذي سيأتي ذكره في هذه الجولة؟
إن هذه العهود جميعاً إن هي إلا عهد واحد في صميمها. إنه العهد بين البارئ وعباده أن يصغوا قلوبهم إليه، وأن يسلموا أنفسهم كلها له. وهذا هو الدين الواحد. وهذا هو الإسلام الذي جاء به الرسل جميعاً وسار موكب الإيمان يحمله شعاراً له على مدار القرون.
ووفاء بهذا العهد يدعو الله بني إسرائيل أن يخافوه وحده وأن يفردوه بالخشية:
«وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» ..
41- ووفاء بهذا العهد كذلك يدعو الله بني إسرائيل أن يؤمنوا بما أنزله على رسوله، مصدقاً لما معهم وألا يسارعوا إلى الكفر به، فيصبحوا أول الكافرين وكان ينبغي أن يكونوا أول المؤمنين:
«وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ» ..
فما الإسلام الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- إلا الدين الواحد الخالد. جاء به في صورته الأخيرة وهو امتداد لرسالة الله، ولعهد الله منذ البشرية الأولى، يضم جناحيه على ما مضى، ويأخذ بيد البشرية فيما سيأتي ويوحد بين «العهد القديم» [1] و «والعهد الجديد» [2] ويضيف ما أراده الله من الخير والصلاح للبشرية في مستقبلها الطويل ويجمع بذلك بين البشر كلهم إخوة متعارفين يلتقون على عهد الله، ودين الله لا يتفرقون شيعاً وأحزاباً، وأقواماً وأجناساً ولكن يلتقون عباداً لله، مستمسكين جميعاً بعهده الذي لا يتبدل منذ فجر الحياة.
وينهى الله بني إسرائيل أن يكون كفرهم بما أنزله مصدقاً لما معهم، شراء للدنيا بالآخرة، وإيثاراً لما بين أيديهم من مصالح خاصة لهم- وبخاصة أحبارهم الذين يخشون أن يؤمنوا بالإسلام فيخسروا رياستهم، وما تدره عليهم من منافع وإتاوات- ويدعوهم إلى خشيته وحده وتقواه..
«وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا، وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ» ..
والثمن والمال والكسب الدنيوي المادي.. كله شنشنة يهود من قديم!! وقد يكون المقصود بالنهي هنا هو ما يكسبه رؤساؤهم من ثمن الخدمات الدينية والفتاوى المكذوبة، وتحريف الأحكام حتى لا تقع العقوبة على الأغنياء منهم والكبراء، كما ورد في مواضع أخرى، واستبقاء هذا كله في أيديهم بصد شعبهم كله عن الدخول في الإسلام، حيث تفلت منهم القيادة والرياسة.. على أن الدنيا كلها- كما قال بعض الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في تفسير هذه الآية- ثمن قليل، حين تقاس إلى الإيمان بآيات الله، وإلى عاقبة الإيمان في الآخرة عند الله.
42- ويمضي السياق يحذرهم ما كانوا يزاولونه من تلبيس الحق بالباطل، وكتمان الحق وهم يعلمونه، بقصد بلبلة الأفكار في المجتمع المسلم، وإشاعة الشك والاضطراب: [1] التوراة. [2] الإنجيل.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 67