نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 69
45- ومن ثم يوجه القرآن اليهود الذين كان يواجههم أولاً، ويوجه الناس كلهم ضمناً، إلى الاستعانة بالصبر والاستعانة بالصلاة.: وفي حالة اليهود كان مطلوباً منهم أن يؤثروا الحق الذي يعلمونه على المركز الخاص الذي يتمتعون به في المدينة، وعلى الثمن القليل- سواء كان ثمن الخدمات الدينية أو هو الدنيا كلها- وأن يدخلوا في موكب الإيمان وهم يدعون الناس إلى الإيمان! وكان هذا كله يقتضي قوة وشجاعة وتجرداً.
واستعانة بالصبر والصلاة:
«وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ. وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ، وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ» ..
والغالب أن الضمير في أنها ضمير الشأن، أي إن هذه الدعوة إلى الاعتراف بالحق في وجه هذه العوامل كبيرة وصغبة وشاقة، إلا على الخاشعين الخاضعين لله، الشاعرين بخشيته وتقواه، الواثقين بلقائه والرجعة إليه عن يقين.
والاستعانة بالصبر تتكرر كثيراً فهو الزاد الذي لا بد منه لمواجهة كل مشقة، وأول المشقات مشقة النزول عن القيادة والرياسة والنفع والكسب احتراماً للحق وإيثاراً له، واعترافاً بالحقيقة وخضوعاً لها.
فما الاستعانة بالصلاة؟
إن الصلاة صلة ولقاء بين العبد والرب. صلة يستمد منها القلب قوة، وتحس فيها الروح صلة وتجد فيها النفس زاداً أنفس من أعراض الحياة الدنيا.. ولقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة، وهو الوثيق الصلة بربه الموصول الروح بالوحي والإلهام.. وما يزال هذا الينبوع الدافق في متناول كل مؤمن يريد زاداً للطريق، وريّاً في الهجير، ومدداً حين ينقطع المدد، ورصيداً حين ينفد الرصيد..
46- واليقين بلقاء الله- واستعمال ظن ومشتقاتها في معنى اليقين كثير في القرآن وفي لغة العرب عامة- واليقين بالرجعة إليه وحده في كل الأمور.. هو مناط الصبر والاحتمال وهو مناط التقوى والحساسية. كما أنه مناط الوزن الصحيح للقيم: قيم الدنيا وقيم الآخرة. ومتى استقام الميزان في هذه القيم بدت الدنيا كلها ثمناً قليلاً، وعرضاً هزيلاً وبدت الآخرة على حقيقتها، التي لا يتردد عاقل في اختيارها وإيثارها.
وكذلك يجد المتدبر للقرآن في التوجيه الذي قصد به بنو إسرائيل أول مرة، توجيهاً دائماً مستمر الإيحاء للجميع..
47- ومن ثم عودة إلى نداء بني إسرائيل، وتذكير هم بنعمة الله عليهم، وتخويفهم ذلك اليوم المخيف إجمالاً قبل الأخذ في التفصيل:
«يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» .
وتفضيل بني إسرائيل على العالمين موقوت بزمان استخلافهم واختيارهم، فأما بعد ما عتوا عن أمر ربهم، وعصوا أنبياءهم، وجحدوا نعمة الله عليهم، وتخلوا عن التزاماتهم وعهدهم، فقد أعلن الله حكمه عليهم باللعنة والغضب والذلة والمسكنة، وقضى عليهم بالتشريد وحق عليهم الوعيد.
وتذكيرهم بتفضيلهم على العالمين، هو تذكير لهم بما كان لهم من فضل الله وعهده وإطماع لهم لينتهزوا
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 69