نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 78
فضلاً على أن يكون رسول الله- أن يتخذ اسم الله وأمره مادة مزاح وسخرية بين الناس:
«قالُوا: أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟» .
وكان رد موسى على هذه السفاهة أن يستعيذ بالله وأن يردهم برفق، وعن طريق التعريض والتلميح، إلى جادة الأدب الواجب في جانب الخالق جل علاه وأن يبين لهم أن ما ظنوه به لا يليق إلا بجاهل بقدر الله، لا يعرف ذلك الأدب ولا يتوخاه:
«قالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ» ..
وكان في هذا التوجيه كفاية ليثوبوا إلى أنفسهم، ويرجعوا إلى ربهم، وينفذوا أمر نبيهم.. ولكنها إسرائيل! 68- نعم. لقد كان في وسعهم- وهم في سعة من الأمر- أن يمدوا أيديهم إلى أية بقرة فيذبحوها، فإذا هم مطيعون لأمر الله، منفذون لإشارة رسوله. ولكن طبيعة التلكؤ والالتواء تدركهم، فإذا هم يسألون: «قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟» .. والسؤال بهذه الصيغة يشي بأنهم ما يزالون في شكهم أن يكون موسى هازئاً فيما أنهى إليهم! فهم أولاً: يقولون: «ادْعُ لَنا رَبَّكَ» .. فكأنما هو ربه وحده لا ربهم كذلك! وكأن المسألة لا تعنيهم هم إنما تعني موسى وربه! وهم ثانياً: يطلبون منه أن يدعو ربه ليبين لهم: «ما هِيَ؟» والسؤال عن الماهية في هذا المقام- وإن كان المقصود الصفة- إنكار واستهزاء.. ما هي؟ إنها بقرة. وقد قال لهم هذا من أول الأمر بلا تحديد لصفة ولا سمة. بقرة وكفى! هنا كذلك يردهم موسى إلى الجادة، بأن يسلك في الإجابة طريقاً غير طريق السؤال. إنه لا يجبههم بانحرافهم في صيغة السؤال كي لا يدخل معهم في جدل شكلي.. إنما يجيبهم كما ينبغي أن يجيب المعلم المربي من يبتليه الله بهم من السفهاء المنحرفين. يجيبهم عن صفة البقرة:
«قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ، عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ» ..
إنها بقرة لا هي عجوز ولا هي شابة، وسط بين هذا وذاك. ثم يعقب على هذا البيان المجمل بنصيحة آمرة حازمة:
«فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ» ..
ولقد كان في هذا كفاية لمن يريد الكفاية وكان حسبهم وقد ردهم نبيهم إلى الجادة مرتين، ولمح لهم بالأدب الواجب في السؤال وفي التلقي. أن يعمدوا إلى أية بقرة من أبقارهم، لا عجوز ولا صغيرة، متوسطة السن، فيخلصوا بها ذمتهم، وينفذوا بذبحها أمر ربهم، ويعفوا أنفسهم من مشقة التعقيد والتضييق.. ولكن إسرائيل هي إسرائيل! 69- لقد راحوا يسألون:
«قالُوا: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها؟» ..
هكذا مرة أخرى: «ادْعُ لَنا رَبَّكَ» ! ولم يكن بد- وقد شققوا الموضوع وطلبوا التفصيل- أن يأتيهم الجواب بالتفصيل:
«قالَ: إِنَّهُ يَقُولُ، إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ» ..
وهكذا ضيقوا على أنفسهم دائرة الاختيار- وكانوا من الأمر في سعة- فأصبحوا مكلفين أن يبحثوا لا عن بقرة.. مجرد بقرة.. بل عن بقرة متوسطة السن، لا عجوز ولا صغيرة، وهي بعد هذا صفراء فاقع لونها
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 78