responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 335
إحْرَامِهِ قَبْلَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْإِحْلَالُ بِالْحَلْقِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ مُرَتَّبٌ عَلَى قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ كَتَرْتِيبِ سَائِرِ أَفْعَالِ الْمَنَاسِكِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَقَدْ احْتَجَّ مُحَمَّدٌ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ عَنْهُ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ سَقَطَ الْحَلْقُ. وَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَلْقَ مُرَتَّبٌ عَلَى قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ، فَلَمَّا سَقَطَ عَنْهُ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ سَقَطَ الْحَلْقُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَلْقُ إذَا وَجَبَ فِي الْإِحْرَامِ كَانَ نُسُكًا، وَقَدْ سَقَطَ عَنْ الْمُحْصَرِ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ، وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْحَلْقُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ سَائِرُ الْمَنَاسِكِ لِتَعَذُّرِ فِعْلُهَا، وَالْحَلْقُ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ فَعَلَيْهِ فِعْلُهُ. قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَوْ أَمْكَنَهُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْي الْجِمَارِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ وَلَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا رَمْيُ الْجِمَارِ مَعَ إمْكَانِهِمَا لِأَنَّهُمَا مُرَتَّبَانِ عَلَى مَنَاسِكَ تَتَقَدَّمُهُمَا. كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْحَلْقُ مُرَتَّبًا عَلَى أَفْعَالِ أُخَرَ، لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ قَبْلَهُمَا نُسُكًا فَقَدْ سَقَطَ بِمَا ذَكَرْنَا اعْتِرَاضُ السَّائِلِ لِوُجُودِنَا مَنَاسِكَ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا، وَلَمْ تَلْزَمْهُ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَ كَوْنِهِ مُحْصَرًا.
فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ لِأَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} فَجَعَلَ بُلُوغَهُ مَحَلَّهُ غَايَةً لِزَوَالِ الْحَظْرِ، وَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْغَايَةِ بِضِدِّ مَا قَبْلَهَا، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيَ مَحِلَّهُ فَإِذَا بَلَغَ فَاحْلِقُوا وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَلْقِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا غَلَطٌ; لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ هِيَ ضِدَّ الْحَظْرِ كَمَا أَنَّ الْإِيجَابَ ضِدُّهُ، فَلَيْسَتْ فِي صَرْفِهِ إلَى أَحَدِ الضِّدَّيْنِ وَهُوَ الْإِيجَابُ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ ارْتِفَاعَ الْحَظْرِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِفِعْلِ ضِدِّهِ عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ زَوَالُ الْحَظْرِ بَقَاءَ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ; أَلَا تَرَى أَنَّ زَوَالَ حَظْرِ الْبَيْعِ بِفِعْلِ الْجُمُعَةِ وَزَوَالَ حَظْرِ الصَّيْدِ بِالْإِحْلَالِ لَمْ يَقْتَضِ إيجَابَ الْبَيْعِ وَلَا الِاصْطِيَادَ وَإِنَّمَا اقْتَضَى إبَاحَتُهُمَا؟
وَيُحْتَجُّ لِأَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ" ثَلَاثًا، وَدَعَا لِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً، وَذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ عِنْدَ الْإِحْصَارِ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ، وَإِذَا كَانَ نُسُكًا وَجَبَ فِعْلُهُ كَمَا يَجِبُ عِنْدَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ لِغَيْرِ الْمُحْصَرِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْحَلْقُ وَالْإِحْلَالُ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِحْلَالِ تَوَقَّفُوا رَجَاءَ أَنْ يُمْكِنَهُمْ الْوُصُولُ وَأَعَادَ عَلَيْهِمْ الْقَوْلَ; ثُمَّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ كَذَلِكَ حَلَقَ بَعْضٌ وَقَصَّرَ بَعْضٌ، فَدَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِي مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُسَارِعَتِهِمْ إلَى أَمْرِهِ، وَلَمَّا قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 335
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست