responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 450
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا وَعَظَهَا بِتَرْكِ الْكِتْمَانِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي وُجُودِ الْحَيْضِ أَوْ عَدَمِهِ. وَكَذَلِكَ فِي الْحَبَلِ; لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ فِي رَحِمِهَا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهَا فِيهِ مَقْبُولٌ لَمَا وُعِظَتْ بِتَرْكِ الْكِتْمَانِ وَلَا كِتْمَانَ لَهَا، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَالَتْ أَنَا حَائِضٌ لَمْ يَحِلَّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا، وَأَنَّهَا إذَا قَالَتْ قَدْ طَهُرْت حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ حِضْت فَقَالَتْ قَدْ حِضْت طَلُقَتْ وَكَانَ قَوْلُهَا كَالْبَيِّنَةِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ سَائِرِ الشُّرُوطِ إذَا عُلِّقَ بِهَا الطَّلَاقُ، نَحْوَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ كَلَّمْت زَيْدًا فَقَالُوا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَتُصَدَّقُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْنَا قَبُولَ قَوْلِهَا فِي الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ وَفِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ مَعْنًى يَخُصُّهَا وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، فَجُعِلَ قَوْلُهَا كَالْبَيِّنَةِ; فَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا تَعَلَّقَ مِنْ الْأَحْكَامِ بِالْحَيْضِ فَقَوْلُهَا مَقْبُولٌ فِيهِ. وَقَالُوا: لَوْ قَالَ لَهَا عَبْدِي حَرٌّ إنْ حِضْت فَقَالَتْ قَدْ حِضْت لَمْ تُصَدَّقْ; ; لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ فِي غَيْرِهَا أَعْنِي عِتْقَ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ قَوْلَهَا كَالْبَيِّنَةِ فِي الْحَيْضِ فِيمَا يَخُصُّهَا مِنْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَمِنْ إبَاحَةِ وَطْئِهَا أَوْ حَظْرِهِ، فَأَمَّا فِيمَا لَا يَخُصُّهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا تُصَدَّقُ عَلَيْهِ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي تَصْدِيقِ الْمُؤْتَمَنِ فِيمَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} [البقرة: 282] لَمَّا وَعَظَهُ بِتَرْكِ الْبَخْسِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِيهِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِيهِ لَمَا كَانَ مَوْعُوظًا بِتَرْكِ الْبَخْسِ، وَهُوَ لَوْ بَخَسَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهِ. وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَتَمَ أَوْ أَظْهَرَ كَانَ الْمَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ فِيمَا كَتَمَ وَفِيمَا أَظْهَرَ، لِدَلَالَةِ وَعْظِهِ إيَّاهُ بِتَرْكِ الْكِتْمَانِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ فِيهَا. وَذَلِكَ كُلُّهُ أَصْلٌ فِي أَنَّ كُلَّ مَنْ اُؤْتُمِنَ عَلَى شَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ، كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ: قَدْ ضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ قَدْ رَدَدْتهَا، وَكَالْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَسَائِرِ الْمَأْمُونِينَ عَلَى الْحُقُوقِ. وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ثُمَّ قَوْله تَعَالَى عَطْفًا عَلَيْهِ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 282] فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِأَمَانَةٍ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمَانَةً لَمَا عَطَفَ الْأَمَانَةَ عَلَيْهِ; إذْ كَانَ الشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُعْطَفُ عَلَى غَيْرِهِ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} إنَّمَا هُوَ مَقْصُورُ الْحُكْمِ عَلَى الْحَبَلِ دُونَ الْحَيْضِ; لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا سَالَ وَلَا يَكُونُ حَيْضًا وَهُوَ فِي الرَّحِمِ; لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالدَّمِ الْخَارِجِ فَمَا دَامَ فِي الرَّحِمِ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَلَا مَعْنًى لِاعْتِبَارِهِ وَلَا ائْتِمَانِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 450
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست